
يا أهل بنغازي .. ويا بنغازي
من ذا يكافئ فعلكم ويجازي
بعض المدائن أهلها وفعالهم
في القلب يشبة مثقب الخراز
لكن أهلك في الجراح بلاسم
وطرازهم في الناس أي طراز
هيهات قصر عن مدارك كل من
ظن الكواكب سهلة الإحراز
أمن الضعيف وراحة العاني هنا
ورفاهة المتمول المعتاز
سباقة أبداً لكل مسرة
من غير جلجلة ولا استفزاز
ثقة بأن مداك أبعد غاية
عن كل من طلب العلا درازي
من ذا يزاحم إن وثبت لغاية
أو من يحلق في مجال الباز
اني احبك موسراً أو معسراً
وأعز اهلك أيما اعزاز
الباذلين وليس في أيدهمو
إلا الندى بذل الفتى المحراز
جبلوا على الإيثار تلك طبيعة
فيهم وغيرهمو على الإحراز
كم لائذ بك ليس تملك كفه
غير اسمه والثوب والعكاز
ألقى عصاه لديك بعد تشرد
فنجا من الإقتار والإعواز
أكلت ملامحه الطريق ولوحت
قسماته واجتاز كل مجاز
أنزلته ما بين أهلك منزلاً
رحباً وقبلك كان غير مجاز
البرجوازي الذي لم يستمع
يوماً لصوت ضميره الوخاز
نسى العصا والخرج بعد قراره
ومداسه الملقى لدى الخراز
يا ليت لم ينكر صنيعك ليته
لم نلفه لسواك كالمنحاز
شاهدت ألف مدينة ومدينة
بين المحيط الجون والقوقاز
لكن كمثلك ما رأيت مدينة
وكمثل أهلك كان كالإعجاز
أو هكذا يبدو ومن يك عاشقاً
مثلي فما يهتم باللماز
إني ذكرتك مرة في غربة
بمليحة زحمت علي مجازي
بلغت حدود الأربعين ولم يزل
ظل الثلاثينات في البرواز
شاهدتها فعرفتها بسيماتها
من غير معرفة ولا إيعاز
من أين؟ قالت: لا تسل فنفائلي
تنبي وهذا الخط والغمازي
إني من البلد العزيز بأهله
بلد المروءة والندى .. بنغازي
وطن الجميلات الخفاف لطافة
الراجحات بكفة الرواز
لو ذاق "أحمد" ما تجيل ثغورنا
ما كان يذكر سكر الأهواز
لك في الهوى منهن كم من غزوة
لكن بربك كيف عاد الغازي؟
لم تقتحم تلك الثغور وإنما
قد عدت مهزوماً كجيش النازي
قلت: اختفت تلك النقوش فلم تعد
سمة الجمال بهذه الألغاز
حسن الفتاة اليوم في تثقيفها
وسلوكها المتفرد الممتاز
صارت تناقش في العلوم وحاضرت
في "ابن الطفيل" وجادلت في "الرازي"
وروت مسائل "سيبويه" وهمشت
سطراً على الزجاج والشيرازي
قالت: نعم ولكل جيل حلية
والوشم حلية جيلنا الفنطازي
جيل ربته مناعة وتحشم
ففتاته كيتيمة الكناز
لم تمش في الأسواق راجلة ولا
وقفت على اللحام والخباز
أو مست الأصباغ وجنتها ولا
سهرت على الفيديو أو التلفاز
أو فرقت بين اللحون وفاضلت
ما بين "موزرت" وبين "حجازي"
أو أنها تصغي ويفرق سمعها
ما بين منسجم وبين نشاز
لكن تراها في حوائج بيتها
طول النهار كلاعب الجمباز
قلت: الذي قد كان عندك جنحة
قد صار فيه اليوم ألف جواز
إني وأنت جيل حسبنا
أنا مددنا الجسر للمجتاز
يمضي الزمان بخيره وبشره
ويمر مأذوناً بدون جواز
لو دام شيء دام في أعناقنا
نير "البريجادير" و"المنطاز"
لكنه ولى وأقبل بعده
عصر البناء الضخم والإنجاز
ولكل جيل في الحياة محاسن
ومساوئ ومفاخر ومخاز
فخذي من الأيام ما تعطي فما
بعد الذي ولى سوى العكا