عبر الزمن

يوسبريدس
أنشأ مدينة يوسبريدس جماعة أو مستوطنين من الإغريق ربما كانوا قادمين من قوريني أو برقة قاموا بتأسيس المدينة وأطلقوا عليها اسم يوسبريدس في الفترة من 525 ق.م إلى 515 ق.م ولهذا الاسم مدلولا عند الإغريق ربما يعنى أقصى الغرب وكما أن له ارتباطا بمعالم الأساطير اليونانية ومن المعروف أن هذه المدينة قد بنيت عند الطرف الشمالي لسبخة السلمانى فوق مرتفع من الأرض التي تعرف باسم (مقبرة سيدي عبيد) ومع مرور الزمن نمت وامتدت نحو الجنوب الشرقي بجوار سبخة السلمانى وهي المنطقة المقابلة لمقبرة سيدي عبيد وأقدم إشارة لمدينة يوسبريدس هي في أثناء الحملة الفارسية التي بعث بها والي مصر الفارسي للانتقام من مدينة برقة بعد مقتل اركسيلاوس الثالث عام 515 ق.م حيث يذكر أن هذه الحملة الفارسية تقدمت حتى مدينة يوسبريدس وأقدم قطعة للعملة أصدرتها هذه المدينة يرجع تاريخها إلى ما قبل عام 480 ق.م حيث يحمل أحد وجهيها نقشاً يمثل نبات السيلفيوم بينما تظهر على الوجه الأخر صورة دلفين وفى عام 414 ق.م تعرضت يوسبريدس لحصار قوى من قبل القبائل الليبية ولم ينقذها منه إلا أسطول إغريقي قدم للمنطقة بطريق الصدفة حيث اضطرته الرياح إلى اللجوء إلى ميناء يوسبريدس أما آخر الأحداث التي ظهرت فيها يوسبريدس فقد كان في عام 322 ق.م حيث شاركت مع برقة في تأييد مغامر أسبرطى يدعى ثيرون يطمع في اقتطاع جزء من الأرض يقيم فيه ملكاً لنفسه ولكن قو ريني وحلفائها من الليبيين تصدوا لذلك المغامر ومن يسانده وانتصروا عليهم وكان نتيجة ذلك أن دفعت مدينة يوسبريدس الثمن غالباً وأصابها الدمار أما عن التنظيم السياسي للمدينة فكان مجلس أعلى للقضاء ومجلس للشيوخ.

برنيق
بمرور الزمن أصبحت مياه سبخة السلماني تجف وتمتلئ بالطين والرمل للدرجة التي أصبحت معها غير صالحه للملاحة فتعذر بذلك اتصال يوسبريدس بالبحر فما كان من السكان إلا أن انتقلوا إلى موقع آخر أكثر قربا للبحر، والموقع الجديد للمدينة كان يشغل المنطقة الوسطى من بنغازي الحديثة ابتداء من الميناء ناحية الشمال الشرقي حتى الفندق البلدي ومن مقبرة سيدي خريبيش ناحية الجنوب الشرقي حتى الملعب الرياضي القديم، وبعد وفاة الاسكندر الأكبر سنة 323 ق.م وقعت مصر تحت الحكم البلطمي وبالتالي دخلت جميع المدن القورنيائية بما فيها يوسبريدس في تبعية مباشرة للحكم البلطمي طوال الفترة من 322 ق.م إلى 96 ق.م وأطلق عليها أسم برنيقي نسبة إلى الأميرة برنيكى زوجة بطليموس الثالث وارتقائها معه عرش مصر في عام 246 ق.م واعتباراً من عام 96 ق.م أصبحت برنيق تابعة للحكم الروماني وبنيت بالمدينة الكثير من ألمنشآت كما زينت أرضيات تلك المباني بفسيفساء رائعة أشهرها فسيفساء الفصول الأربعة وقد تم الاهتمام بالمدينة في أوائل العصر البيزنطي (القرن الرابع الميلادي) وأصبح سكان المدينة يدينون بالمسيحية وقد عثر على بقايا كنيسة بها ترجع إلى القرن السادس الميلادي كما أن أحد أبناء المدينة أصبح حاكماً.

بنغازي والفتح الإسلامي
كانت المنطقة الواقعة بين مدينة الإسكندرية في الشرق وطرابلس في الغرب تعرف قبل الفتح الإسلامي ببلاد إنطابلس وتتبع مصر إداريا وكان بطريق الإسكندرية يحمل لقب بطريق مصر وإنطابلس، وفى سنة 22 هجرية اتجه القائد عمرو بن العاص بعد أن فتح الإسكندرية غرباً نحو بلاد إنطابلس فلم يجد مقاومة تذكر من سكانها الذين صالحوه على دفع جزية قدرها ثلاثة عشر ألف دينار سنوياً وأصبحت بلاد إنطابلس (برقة) تنعم بالأمن والسلام وحرية ممارسة الطقوس الدينية أكثر من أي منطقة أخرى تحت السيادة الإسلامية و لذلك قال عنها عبد الله بن عمرو بن العاص: "لولا مالي بالحجاز لنزلت ببرقة فما أعلم منزلا أسلم ولا أعزل منها".

الحكم العثماني
غزا العثمانيون المدينة في القرن السادس عشر لتصبح جزءا من الإمبراطورية العثمانية، إنقسمت هذه الفترة إلى عهدين حسب تحديد المؤرخين:

العهد العثماني الأول 1711 – 1638
في عام 1637م عادت الحياة الي برقة بسبب جماعات المسلمين النازحة من الأندلس حيث أقاموا في بنغازي، وقاموا بتشييد قلعة يتحصنون بها تقع عند رأس شبه الجزيرة التي امتدت فيما بين البحر وسبخة السلماني في مواجهة رأس جليانة من الجهة المقابلة، ولكن الأندلسيين هجروا المدينة ما بين عامي 1638 – 1639 وبالتالي قام العثمانيون بقيادة محمد باشا الساقزلي باحتلال المدينة، وأتم بناء القلعة واستقر العثمانيون بها،

في تلك الفترة كانت المدينة مجرد مرفأ بحري، وفي سنة 1640 انتقل المركز الإداري والسياسي إليها، ولكن في وقت لاحق حدثت ثورة بالمدينة وتخلصت من الأتراك وبهذا نجد أن أول المباني في هذا العهد كان ذو طابع عسكري وإداري ولكنه لم يدم طويلاً وانتهى بثورة الأهالي ضد العثمانيين، إستعاد العثمانيون المدينة في 1656، واستمر الطابع الغالب للمدينة عربياً، فلا نجد في عهد الإحتلال العثماني أي عمل حضري أو معماري ذا شأن، رغم كونها عاصمة سياسية واقتصادية وثقافية للإقليم الواقعة به، وفي عام 1711 إنتهى العهد العثماني الأول ولم تكن المدينة أكثر من مكان ذو وظيفة إدارية خاضعة للأتراك، لتصبح بعد ذلك تحت حكم أسرة القره مانلي التي كانت تحكم طرابلس.

مرحلة العهد القرمانلي 1711 -1835
كان قيام الدولة القرمانلية ثورة اجتماعية وسياسية على المفاهيم والأوضاع السائدة في ذلك الوقت، وأهم الأحداث التخطيطية المعمارية في تلك الفترة هو إنشاء جامع العقيب، كما أشير في تلك الفترة إلى المدينة بأنها عاصمة لإقليم برقة وهي أول إشارة صريحة لتزعم بنغازي لمدن برقة.

رغم كون ميناء المدينة هو النقطة المؤسسة لها إلا أنه لم يكن يتسع إلا للمراكب الصغيرة ويقال أنه كان يرى الكثير من الآثار المبعثرة داخل المدينة التي يعمل السكان على تحطيمها وبناء منازلهم منها بعد خلطها بالطين، وكان منزل (البي) لا يختلف عن باقي المنازل من حيث الطراز المعماري إلا أن سطحه المقابل لجهة المدينة زود بتسع فتحات ركبت بها المدافع، وهذا التشابه في المنازل دليل على أن تخطيط المدينة قام به سكانها الأصليين، أما الإدارة الحاكمة فقد كانت عاجزة عن أي دور تخطيطي أو عمراني أو إنشائي ذو أهمية للمدينة.

حجم المدينة في تلك الفترة كان يسع 5000 نسمة، نصفهم على الأقل من اليهود، وكانت المدينة لا تزال تتأرجح بين كونها مدينة أو قرية كبيرة، ولكن أكثر ما ميز معالمها في ذلك الوقت الإكثار من استخدام المكان الديني، فانشئ في عام 1820م جامع الحدادة وألحقت به مدرسة قرآنية، وهذا الجامع لم يكن هو البداية، فتاريخ بناء الجوامع بالمدينة أقدم من ذلك بكثير، ففي 1770م بني جامع شلوف الصغير، كما شيدت أول كنيسة للفرنشيسكان عام 1817م وكانت عبارة عن حجرة في القنصلية الفرنسية.

وشهد العام 1817 قيام مذبحة ارتكبها العثمانيون ضد قبيلة الجوازي في المدينة والتي قتل فيها أكثر من 10.000 شخص بينهم نساء وأطفال بسبب رفض السكان دفع الضرائب للعثمانيين .

كانت المساكن مبنية من أحجار خشنة غير متساوية ذات طابق واحد لم تتحمل مواسم الأمطار، ونتيجة لسقوطها وتحولها إلى خرائب بامتزاجها بمياه الأمطار، كانت الشوارع المتراصة والمتداخلة تصبح أكوام من الطين ومجموعة من المستنقعات تمثل كم كبير من حجم المدينة، ولم تزداد عدد المنشآت في هذا العهد ولم تتسع الرقعة المبنية بشكل واضح، ولكن اتسمت المدينة بانقسامها إلى أحياء ذات إنتماءات وطنية، ووجد حيين مهمين يشغلان مساحة كبيرة من المدينة وهما حي الكراغلة وحي الأهالي، وهذا يبين التفكك الاجتماعي الذي صاحب نمو المدينة.

العهد العثماني الثاني 1835 – 1911
أصبحت المدينة بلا حكومة بعد مغادرة القرمانليين حتى وصل الأتراك عام 1835 م ويقال أن أكثر ما يميز المدينة في تلك الفترة كان ضريحين لإثنين من المرابطين ذات معالم غير واضحة وطلاء مندثر تماماً، والقلعة المقامة على الساحل وكانت عبارة عن شكل مربع تحيط به من كل جانب أبراج دائرية، كما وصفت المدينة بالنظافة ووجود 1200 منزلاً، وارتفعت المباني لأكثر من طابق واحد، وتراوح تعداد السكان ما بين 10 إلى 12 ألف نسمة، أصبحت بنغازي ولاية قائمة بذاتها وسميت (ببنغازي متصرفليك) وكان أول حاكم عثماني أرسل لها هو خليل باشا الذي حكمها مدة خمس سنوات، ومن الأعمال المهمة التي نجدها ضمن فترة حكمه هو تقسيم بنغازي إلى اثنتي عشر محلة وكانت كل محلة ذات تعداد سكني منفصل، كما نجد توزيع فريد لمدارس ألحقت بمساجد تلك المحلات لكي تغطي الإحتياجات التعليمية بمستوى متساو لكل المحلات.

وفي عام 1889م تم البدء في وضع دراسات وتخطيطات لمشروع مهم على يد رشيد باشا وهو قصر البركة العسكري الذي يتسع لإيواء ما يزيد عن 5000 جندي، وهو قصر محاط ومسور ويحوي مسجد وسوق ومساحات خاصة بالتدريب العسكري، وآخر عمل قام به رشيد باشا هو أول خط سكك حديدية يصل بين رصيف الميناء والبركة في 1894م، واستعمل لنقل الملح من الملاحات القريبة والمحيطة بالمدينة إلى أماكن تجميعها، كما استعمل الخط في نقل مواد البناء المستوردة لبناء القصر العسكري، وبعد ذلك نجد تطور في إرتفاعات المباني، فتم إنشاء مبنى البلدية المكون من 3 طوابق، واهتم بالميناء حيث أقيم أول رصيف صناعي. وتعداد المدينة في تلك الفترة كان 15 ألف نسمة؛ 4/3 من الأهالي و4/1 من الزنوج الذين سكنوا الأكواخ بمنطقة الصابري، كما يذكر أن أهالي المدينة امتلكوا بساتين واقعة خارج حدود المدينة بمنطقة ظهير بنغازي، في منتصف عام 1895 وحتى بداية 1896 إستمر العمل في بناء معسكر البركة والمسجد العتيق كما بنى الطاهر باشا مسكن خاص له يقع بين منطقتي البركة والفويهات.

وفي عام 1906م شب حريق كبير في سوق الظلام تسبب في كارثة اقتصادية، وفي عام 1908م أنشأ بنك روما فرع له بالمدينة وكان بداية توافد الإيطاليين إلى المدينة، واستمر حكم الأتراك للمدينة حتى تم الغزو الايطالي للبلاد في 1911م وتنازل الأتراك العثمانيين عن ليبيا لإيطاليا من خلال معاهدة أوشي.

الحكم الاستعماري الإيطالي
عام 1911 الذي احتل فيه الايطاليون المدينة وكانت المنطقه الساحليه تحت إحتلالهم، وكانت بنغازي بلدة صغيرة مخططة مبانيها من الطين، وسكانها قليلون وقد عمل الإيطاليون على تنميتها لتصبح ثاني أهم مدن ليبيا بعد طرابلس.

الحرب العالمية الثانية
في الحرب العالمية الثانية دمرت بنغازي ثم احتلتها القوات المتحالفة عام 1942، وتعرضت للدمار إبان الحرب العالمية الثانية، إذ تعاقبت عليها الجيوش المتحاربة خمس مرات. وتعرضت لنحو 1200 غارة جوية، وهذا مالم تتعرض له أيُّ مدينة ليبية. وفي ظل الإحتلال البريطاني أصبحت بنغازي عاصمة ولاية برقة.

بنغازي المدينة الحديثة
بعد الإستقلال إزدهرت بنغازي لتصبح من أهم المدن الليبية وأخذت أحوال المدينة تتبدل بسرعة بدءاً من عام 1954م، فاستصلحت السبخات المحيطة بها وامتد إليها العمران فبلغت مساحتها في السنوات الأخيرة 60 كم²، ممتدة على مسافة تقدر بنحو 12كم على ساحل البحر، وصارت تتألف من 24 حياً.

في عهد المملكة الليبية، تمتعت بنغازي بمكانة عاصمة البلاد (جنباً إلى جنب مع طرابلس) فضلاً عن كونها أكبر مدينة في الشرق الليبي، استمرت بنغازي بكونها مقراً لمؤسسات ومنظمات ترتبط عادة بتواجدها بالعاصمة الوطنية، مثل برلمان البلاد، والمكتبة الوطنية، ومقر الخطوط الجوية الليبية شركة الطيران الوطنية، والمؤسسة الوطنية للنفط.، بلغ عدد سكانها المسجل 500120 نسمة في تعداد عام 1995، وارتفع إلى 670797 في تعداد عام 2006 ولم يجرِ أي إحصاء سكاني بعد ذلك.

في 15 فبراير 2011 اندلعت احتجاجات في المدينة ضد حكومة العقيد معمر القذافي، وتمت السيطرة على المدينة في 21 فبراير 2011 من قبل السكان المعارضين، وتم تشكيل المجلس الوطني الانتقالي بعد ذلك بعدة أيام، وفي 19 مارس 2011 كانت مدينة بنغازي مهد الثورة وموقع نقطة التحول الفاصلة في الثورة الليبية، حين حاول الجيش التابع للعقيد تحقيق نصر حاسم على المعارضة الليبية لاستعادة بنغازي غير أن القوات الجوية لحلف الناتو قامت بالقصف على قوات القدافي إثر قرار مجلس الأمن رقم 1973 لحماية المدنيين.

شهدت المدينة انهيار في الأمن وغياب سلطة الدولة ونفاذ القانون، كما شهدت أعلى معدل لحوادث الاغتيال في البلاد والتي بدأت بالظهور بالفوضى العارمة بعد 2011 حيث استهدف الإرهابين معظم الشخصيات من القضاء والشرطة ونشطاء المجتمع المدني وإعلاميين ومدنيين وشخصيات دينية ومجتمعية إضافة لعسكريين من المدينة حتى وإن كانوا خارج الخدمة، وفي 31 يوليو عام 2014، أعلنت ميليشيا أنصار الشريعة التي أعلنت ولاءها للقاعدة (مجلس شورى ثوار بنغازي) السيطرة الكاملة على بنغازي بعد هجوم كبير سيطرت خلاله على ثكنة عسكرية كبيرة تابعة للجيش الليبي داخل المدينة.

وفي منتصف أكتوبر، أسس الجنرال خليفة بلقاسم حفتر الفرجاني قوات الكرامة ثم أصبحت تحت اسم الجيش الليبي حيث أطلق الجنرال هجوماً لاستعادة السيطرة على المدينة حيث ذكرت تقارير حينها أنه تمكن من السيطرة على 90٪ من بنغازي، وبالرغم من إعلان الجنرال خليفة بلقاسم حفتر عن إكمال تحرير المدينة من الجماعات المسلحة إلا أن عشرات المسلحين ظلوا في بعض المناطق في أحد الأحياء في وسط المدينة حتى أواخر ديسمبر 2017 حين أعلن الجيش السيطرة الكاملة على المدينة، لتنتهي المعارك متسببةً في دمار شديد وخسائر بالبنية التحتية والمباني العامة وممتلكات ومنازل المواطنين في أحياء وسط المدينة والصابري.