وجه من وجوه بنغازي

عبد الجليل عبد القادر

عبد الجليل عبد القادر

في صوته بحّة شجية قد يعتبرها الموسيقيون الأكاديميون نشازاً أو عيباً، لكن الذائقة الشعبية تقبلته وصارت تطرب له وتميزه عن كل الأصوات التي تغني غناء المرسكاوي القادم إلى بنغازي من واحة مرزق في جنوب ليبيا، ربما نتيجة هذا القبول الجمعي، يمكننا القول إن عبد الجليل نجح في توحيد الذائقة الليبية كما فعل عدة مطربين في دول عربية أخرى.

أيام السلام والهدوء، كان لابد لك وأنت مار من شارع الاستقلال (عبدالناصر سابقا)، من رؤية كهل في حالة إعياء جالساً على مقعد متحرك لكنه يبتسم للجميع ويحيي الجميع، خاصة مواكب العرس المارة من أمامه، والتي بلا شك أنه قد غنى في أعراس آباء وأمهات العرسان المتزوجين قبل قليل، لم يعبأ بنسيان عشاقه القدامى له، أو أصدقائه الفنانين الصغار الذين انتشلهم من الظلام إلى الضوء، ظل يبتسم، ظل يلوح للمارة بنبل، يمنح الحب مقابل الجحود، قبل أن أسأله عن حاله أجابني: "دنيا غرورة ما تدوم لوالي".

وُلدَ عبدالجليل في مدينة بنغازي عام 1947، بدأ حياته ضابط إيقاع ماهر في فرقة الإذاعة في بنغازي عام 1966 تقريباً، لينفصل عنها ويجترح لنفسه درباً خاصاً مكّنه من التألق وسط مجموعة من المطربين الشعبيين البارزين، مثل علي الجهاني وحميده درنة وسيد بومدين وغيرهم، يقول عنه الكاتب زياد العيساوي المهتم بفن الغناء والموسيقى: "هو أفضل من أدى الأغنية المرسكاوية و(بنغزها)، أي جعل لها خصوصية بنغازية مختلفة عن الأصل، يمتلك صوتاً معبراً، صحيح الشد والإرتخاء في طبقات الجواب والقرار الصوتية".

من الأمور التي رفعت وتيرة الحزن في أغانيه ومواويله أحياناً لدرجة البكاء، هو زواجه مرتين، تزوج دون أن يرزق أطفالاً، وعبد الجليل بالمعنى العميق، سنعتبره قد أنجب فناً خالداً، وحباً مازالت شعلته لم تذبل إلى الآن، فكل الصغار أبناؤه، هو أب لكل الإنسانية، وأب لقيم الخير والمحبة، الشباب يسعدون له ويتقبلون عتابه، فيتوقفون حالاً عن الشجار، كان يعمل مشرفاً على ملعب كرة القدم، وفي المباريات القوية كثيراً ما تنشب معارك وشغب بين الجمهور، الشرطة لا تنجح في فضه، بل في بنغازي أحياناً لا يكترث بها أحد،  لكن عبد الجليل سريعاً ما يركض إلى حيث الشجار ويرفع لهم يديه، ويقول لهم كلمتين: "عيب أنتم إخوة، عيال بلد واحد، الرياضة رسالة نبيلة"، فيتوقف الشجار رغم التعصب الكبير، ويصفق كل الجمهور المتشاجر وغيره لعبد الجليل، ويستأنف اللعب دون أي مشاكل، وحتى الحكام عندما تنتهي المباراة الحساسة، يركضون نحو عبدالجليل ليقودهم إلى غرفهم دون اعتداء.

أُصيب بوعكة صحية عام 2001، حيثُ سببت له مرضاً ظل يعاني منه حتى تُوفيَ في 15 نوفمبر 2015.

المصدر: محمد الأصفر