
السّيِّد عبدالله السنكي هُو مِن جيل الوطنيين الرَّواد الّذِين تركوا قبل رحيلهم سِيْرَة حسنة ومواقف محمودة وأثراً طيّباً ستذكره لهم الأجيال القادمة، وهُو مِن ذلك الجيل الّذِي تربى على شيم الرجال عند العرب مِن كرم وشهامة ومروءة ونخوة وشجاعة وتضحيّة وصبر على الشدائد. وَمِن جيل صنع المجد والإنجاز وتأسيس دولة حديثة لم يكن أحد فِي العالم وقتما تأسست، يراهن على وجودها واستمرارها نظراً لفقرها وانعدام الثروات فيها وانتشار الأمراض والأوبئة بين سكّانها بالإضافة إِلى اِنْعِدَامِ كافة مقومات الحيَاة، ذلك الجيل العصامي المؤسس، الّذِي ناضل بحق مِن أجل الوطن لا مِن أجل الجاه والنفوذ أو المال والمصلحة الشخصيّة، اِمْتَازَ السّيِّد عبدالله بسلاسة وطلاقة الحديث، وأنه كان ينصت لأحاديث الآخرين باهتمام شديد، وأنه كان صاحب حجة ورأي نظراً لما اِمْتَلَكه مِن دراية واسعة وخبرة طويلة متراكمة، نجح فِي تكوين شبكة علاقات واسعة، وكانت له فِي كل ركن مِن أركان مدينة بّنْغازي قصّة وحكاية، وفِي كثير مِن قرى ومدن وبوادي الوطن مواقف وحكايات وذكريات، كان رحمه الله شخصيّة محبوبة بين رفاقه وأصحابه وأبناء مجتمعه وكل مَنْ عرفوه مِن أصقاع الدنيا المختلفة فقد كان شخصيّة اِجْتِمَاعِيَّة بامتياز.
والده هُو الحاج علي السنكي المولود سنة 1870م والمُتوفى سنة 1963م، والسّيِّد علي هُو ابن السّيِّد محمود السنكي، وابن الحاجة نورة بوشحمة (الشويهدي)، الّذِي كان مِن كبار تجار مدينة بّنْغازي ومِن بين الّذِين جاهدوا المستعمر الإيطالي وتعرضوا للنفي والإبعاد، تمّ نفيه مع مجموعة مِن الِلّيبيّين المخلصين الأخيار إِلى إيطاليا فِي أوائل عَام 1914م وعادوا إِلى البلاد فِي عَام 1917م، ومِن بين هؤلاء: علي محمود السنكى، منصُور محَمّد رمضان الكيخيّا، سُليْمان منصُور منينة، محَمّد إبراهيم منينة، الزروق الرعيض، السّنوُسي جبر المغبوب، عبْدالهادي مختار السّوادي، محَمّد بوزيد الكوافى، منصُور البابور الجهمي، منصُور طلوبة، رجب على يُوسف، مُصْطفى ارخيص، عبدالله مخلوف، حسن مُصْطفى بوليفة، بوشناف بسيكرى، على كشبور، ميلاد مفتاح زيو، على بوقرين، حسين محَمّد إبراهيم كويري، صَالح بريمة، مفتاح قادربوة، محَمّد محَمّد بِن كاطو، محَمّد عابد عبْدالمولى، ساسى بِن شتوان، حسن أحمَد بوقعيقيص، عبْدالسّلام حجل، سَالم الزوبيك، على بن زبلح، السّنوُسي البناني، أحمَد صوان، الفرجانى دربي، مفتاح الإمام، إمحمد علي جبريل، إسماعيل علي جبريل، سُليْمان احميده جبريل، عوض شمسه، السّنوُسي مازق البيجُّو، أحمَد الطائع البيجُّو، تزوج الحاج علي السنكي فِي المرَّة الأولى مِن السّيِّدة كنز الحويج (تُوفيت عَام 1928م)، وأنجب منها عبدالله وشقيقته نورة التي توفيت فِي شهر مارس مِن عَام 1980م...
ولد السّيِّد عبدالله السنكي سنة 1906م فِي مدينة بّنْغازي بمنزل العائلة الكائن وقتئذ بشارع الشّريف، وللسّيِّد عبدالله أخت شقيقة واحدة وأربع غير شقيقات، وله ثلاثة أخوة غير أشقاء، هم: محَمّد (1919م - 9 يوليو 1992م)، وفرج (1928 - 12 يوليو 1988م)، ومُصْطفى (1934م - 25 يوليو 2007م)، كان والد السّيِّد عبدالله مِن كبار تجار الأقمشة المعروفين فِي مدينة بّنْغازي وأولاده مِن بعده، وقد أطلق النَّاس فِي ماضي الزمان إسم (طريق السنكي) على أحد أنواع الأقمشة التي كان آل السنكي يستوردونها مباشرة مِن الخارج بسبب سيارة اِمْتَلكها الحاج عبدالله السنكي مبكراً، وقد أُطلقت التسمية على القماش بسبب تزامن وصوله إِلى الأسواق الِلّيبيّة مع وصول سيارة خاصّة (فيتورة) كان قد اشتراها عبدالله السنكي فِي ذلك الزمان، ويروى أنّ سيارته كانت مِن أوائل السيارات الخاصّة التي دخلت إِلي برقة وربّما يكون عبدالله السنكي أوّل شخص ليبي مِن برقة يملك سيارة خاصّة وربّما يكون ذلك الشّخص هُو السّيِّد مُصْطفى حسن بوليفة (1912م - 1942م)، تزوج السيّد عبدالله السنكي مِن السّيِّدة خديجة الغماري الغزالي (1911م - 5 مايو 1980م) وأنجب منها سبع بنات وولدان وهما: فتحي ورشيد.
كان السّيِّد عبدالله يجيد اللغتين العربيّة والإيطاليّة تحدثاً وكتابةً وقراءةً، ومداوماً على قراءة الصحف اليوميّة إِلى جانب متابعة أخبار العالم فِي وسائل الإعلام المتاحة فِي عصره وزمانه، وكان يحب الشعر العربي ولكنه أحب الشعر الشّعبي إِلى درجة العشق، وقد نسج بعض الأبيات الشعريّة فِي بعض المناسبات ولكن للأسف الشديد لم يتمّ تدوينها ومِن ثمّ حفظها والحفاظ عليها، وقد ربطته علاقة قويّة متينة بعدد مِن الشعراء الشعبيين الِلّيبيّين، يأتي فِي مقدمتهم الشاعر الكبير اشريّف السعيطي (1888م - 1969م) الّذِي كتب عنه قصيدة تُشيد بكـَرَمَهِ منقطع النظير ووفائه مع رفاقه.
وَفِي سياق متصل، يُروى أنّه مَا مرَّ على شاعر فِي منطقة مِن مناطق ليبَيا ووجده فِي ضيق وحاجة إلاّ وَوَسِّعْ عليه ومنحه المال الّذِي حلّ به مشكلته، وَفِي جانب ثاني، كان يحب السفر وزار عواصم كثيرة فِي العالم، وإخوانه كانوا يلومونه أحياناً على كثرة أسفاره وطول غيابه إلاّ أنه كان يرى فِي السفر فوائد ومنافع كثيرة أو كمَا قال الثعالبي: "مِن فضائل السفر، أن صاحبه يرى مِن عجائب الأمصار، وَمِن بدائع الأقطار، ومحاسن الآثار، مَا يزيده علماً بقدرة الله تعالى.."، وّمِن صفاته، أنّ اسمه اقترن بالكرم والجود والسخاء فقد كان كريماً سخيّاً إِلى حدٍ كبير، ومِن أبرز مَا كان يحكى عَن كرمه أنه كان صاحب أملاك كثيرة وأنه لم يبع أرضاً أو مبنى لرفيق أو صديق مِن أصدقائه وكسب مالاً مِن وراء ذلك حيث كان لا يأخذ أكثر مِن رأس المال الّذِي دفعه هُو فِي ذلك المبنى أو الأرض، أيْضاً، كان صاحب رأي وتجربة، وكثيرون كانوا يقفون عند رأيه ويُناقشوه فيما يطرح مِن معلومات وأفكار. وبالإضافة إِلى ذلك، كانت الجلسة معه ممتعة بأشعارها وحكاياتها وقصصها الرّائعة، ومسلية بمداعباتها وتعليقاتها الساخرة، فقد كان حاضر البديهة لا يفوته التعليق ويُلقي بالطرفة والمزحة بعفويّة وتلقائيّة شديدة.
وفِي السِّيَاق ذَاتِه، كان السّيِّد عبدالله شخصيّة معروفة بين الحضر والبدو على حد سواء أيّ شخصيّة إجتماعيّة بامتياز، وهذا مَا أكده الأستاذ هاني رمضان الكيخيّا فقال: ".. كان الحاج عبدالله شخصية اجتماعيّة بامتياز، فسيرة حياته والجانب الاجتماعي فِي شخصيته يحتاجان إِلى وقفه جادة ولو اطّلع عليهما قاص مبدع لتمكن مِن تحويلهما إلى رواية ممتعة غاية فِي القيمة والجمال.."، وَفِي جانب آخر، إشتغل الحاج عبدالله فِي أعمال مختلفة، وتعرّف على شخصيّات لامعة ومميزة ومهمّة، وكوّن علاقات اجتماعيّة واسعة، ومنحته التجارب التي عاشها، القوَّة والقدرة على التعامل مع المشكلات والأزمات والتي كان يراها على أنها عثرات مؤقتة، فقد كان ينظر إِلى العوائق والمشاكل والتحديات كجزء لا يتجزأ مِن الحيَاة وشرط مِن شروط النجاح، مؤمناً بأن المشكلات ".. إن زارت العقلاء روّضوها ودفعتهم إِلى الأمام !"... وقد أتت عليه أوقات كان فيها على رأس قائمة أصحاب المال فِي برقة ثمّ تسوء أحواله الماليّه فجأة، وقبل أن يصبح مفلساً يرزقه الله مِن حيث لا يدري ولا يحتسب، وَمِن باب لم يخطر على باله، ولم يكن يتوقعه ولا ينتظره، هذه التجربة الحياتيّة جعلته شديد الإيمان بأنّ مَنْ كان له رزق فإن الله يسوق له رزقه مِن طرق كثيرة قد يعلمها وقد لا يعلمها حيث أن الرزق بيده وحده يوزعه على عباده كيفما يشاء، وإن كان الإنْسَان مطالب بالسّعي والاجتهاد لكسبه، فبقدر مَا كان يؤمن بضرورة الاجتهاد فِى العمل والسّعى الجاد لطلب الرزق، كان يؤمن أيْضاً بأن الرزق لا يأتي فقط بالشطارة والذكاء وحسن التصرف إنما بتوفيق مِن الله سبحانه وتعالى فالأرزاق هي شأنه وبيده، "وفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ"، وَفِي السّياق نفسه، كان الحاج عبدالله جالب السعد لشركائه أيّ كل مَنْ شاركه فِي مشروع أو اشترى منه عقاراً أو أرضاً كسب مِن ورائه فكانت (جرته خضراء) كمَا يقول الِلّيبيّون ويصفون هكذا أشخاص.
حينما أتى الحاج عبدالله إِلى مِصْر كانت ظروف العمل فيها والاستثمار بالنسبة للأجنبي أيّ (غير المصري) غايّة فِي الصعوبة ولا تنظمها قوانين واضحة، ولكن بحكم طبيعته المغامرة وظروف الغربة المهلكة للمال، دخل فِي شراكة مع شخص لبناني كان لديه تصريح عمل فِي مِصْر ويعمل فِي مجال العقارات وقطاع الخدمات (وكالة تأجير سيارات)، وبعد فترة مِن شراكتهما، سوّلت نفس شريكه أن يسرق المال الّذِي ائتمنه الحاج عبدالله عليه فسرقه وهرب به إِلى مسقط رأسه، وبعد هذه الحادثة، مرّ الحاج عبدالله بظروف صعبة، ولكنها لم تدم طويلاً ذهبت كالغمامة ففتح الله عليه ورزقه مِن حيث لا يدري ولا يحتسب، وَبَعْد فترة مِن ذلك أيْضاً وصل ابنه فتحي إِلى القاهرة حيث قرر فِي عَام 1982م مغادرة البلاد والاستقرار فِي مِصْر، فعاش مع ابنه - إِلى أن وافته المنية - فِي سَعَة مِن الرزق ورغد فِي العيش، وأخيراً.. كان السّيِّد عبدالله السنكي شخصيّة وطنية، أهتم بالشأن العامّ وخاض تجربة الانتخابات البرلمانيّة فِي ستينيات القرن المنصرم، وكان مِن أوائل المُعارضين لانقلاب سبتمبر 1969م وتحدث مع الرئيس محَمّد أنور السّادْات (1918م - 6 أكتوبر 1981م) فِي مرحلة مبكرة مِن حكم معمّر القذّافي، حول فكرة تأسيس جيش وطنيّ لإنقاذ ليبَيا مِن حكم القذّافي على غرار جيش التَّحرير الِلّيبيّ الّذِي تأسس فِي مِصْر فِي زمن الاحتلال الإيطالي.
كان السّيِّد عبدالله السنكي مِن كبار التَّجار فِي برقة ومِن القلائل الّذِين وهبهم الله بعض مِن الثروة وقتما كانت البلاد تصنف عالمياً كثاني أفقر دولة فِي العالم، وساهم هُو وأمثاله مِن التَّجار الوطنيين (الرّأسماليَّة الوطَنِيَّة) فِي بناء دولة ليبَيا بعْد الإعلان عن اِسْتِقْلالها فِي 24 ديسمبر 1951م إبّان الفقر وأوضاع البلاد الإقتصاديّة الصعبة أي قبل سنوات مِن اكتشاف النفط فِي ليبَيا، كان رجال الأعمال أو التّجار فِي ذلك الوقت، وطنيّين لا يعرفون الغشّ والسمسرة وشراء الذمم وبيع أراضي الدولة وتقاسم العمولات مع رجال السّلطة كذلك جمع الأموال وتهريبها إِلى الخارج، وكان مسلكهم فِي العمل الإخلاص والصدق والكسب المشروع، وهمّهم بناء بلادهم وتقدّمها، ودأبهم وديدنهم الحفاظ على منظومة المجتمع الأخلاقيّة، ولكن الحال تغيّر بعْد سنوات قليلة مِن استيلاء معمّر القذّافي على السّلطة، فاحتلّت مجموعة فاسدة مِن رجال الأعمال مكان هؤلاء وأنشأوا سلوكيّات وأخلاقيّات مدمرة مازلنا نعاني مِن سيطرة أسلوب عملها ونهج تفكيرها فِي مجالات المال والأعمال إِلى يومنا هذا بالرَّغم مِن مقتل معمّر القذّافي وسقوط نظامه، والّذِي حدث، فتح نَّظام معمّر القذّافي أبواب السمسرة والرشاوى والفساد، فتكونت رأسماليّة غير وطنيّة اقتربت مِن السّلطة مِن أجل المكسب السريع وجمع الثروة الطائلة ثمّ تقاسمت هذه الطبقة الثروة مع مَنْ سهل لها الوصول للأموال الطائلة فِي زمن قياسي.
وفِي سياق المال أيْضاً كان الحاج عبدالله مِن بين الِلّيبيّين الّذِين دعموا بمالهم ثوار الجزائر (جبهة التَّحرير) فِي نضالهم الطويل المرير ضدَّ المستعمر الفرنسي الّذِي احتلّ بلادهم سنة 1830م واستمروا فِي جهادهم بتعاقب الأجيال فقدموا مليون ونصف المليون شهيد، وصمدوا ولم يستسلموا قط، وحرروا وطنهم يوم إعلان استقلاله فِي الخامس مِن يوليو 1962م ثمّ ميلاد الجمهوريّة الجزائريّة يوم 25 سبتمبر مِن نفس العام، يوم أعلنها رسميّاً السّيِّد فرحات عباس (1899م - 24 ديسمبر 1985م) رئيس المجلس الوطنيّ التأسيسي، وتولّى رئاستها السّيِّد أحمد بِن بله (1916م - 11 إبريل 2012م) فِي 15 أكتوبر 1962م كأول رئيس للجمهوريّة الجزائريّة.
ويذكر أن الحاج عبدالله السنكي، ساهم فِي نصرة قضيّة الجزائر مِن خلال صندوق (لجنة جمع التبرعات ودعم المجاهدين الجزائريين) - اللجنة التي كان السّيِّد عبدالله عابد السّنوُسيّ (1917م - 1 مارس 1988م) أحد أعضائها البارزين، وَمِن ناحيّة أخرى، دخل الحاج عبدالله السنكي فِي ستينيات القرن المنصرم، المنافسة على مقاعد البرلمان (الانتخابات البرلمانيّة)، حيث تنافس مع محَمّد بشير المغيربي (1923م - 3 يوليو 2006م) على مقعد برلماني عَن دائرة الصابري بمدينة بّنْغازي، كان إجمالي عدد الدوائر الانتخابيّة فِي ولايّة برقة وقتذاك خمسة عشرة (15) دائرة، وكانت دائرة الصابري مِن أهمّ الدّوائر الانتخابيّة، فاز السّيِّد محَمّد بشير المغيربي عَن دائرة الصابري، وقدّم السنكي طعناً إِلى المحكمة العليا بناءً على أدلة أمتلكها تشكك فِي صحّة فوز منافسه، قدّمت إِلى المحكمة العليا أحد عشر (11) طعناً بشأن نَّتائج انتخابات ولايّة برقة، وكان طعن السنكي مِن بين الطعون المقدّمة إِلى هيئة المحكمة، نظرت المحكمة العليا فِي الطعون المقدّمة إليها وأصدرت فِي فبراير 1961م حكمها القاضي بصحّة الطعن المقدّم مِن قبل المرشّح عبدالله السنكي.
قال الدّكتور محَمّد يُوسف المقريَّف بخصوص هذا الطعن فِي المجلّد الثّالث مِن كتابه: (ليبَيا.. بين الماضي والحَاضِر) مَا يلي.." .. فِي 13 فبراير 1961م (خلال حكومة محَمّد عثمان الصيّد) أصدرت المحكمة العليا حكمها بصحّة الطعن المقدّم مِن المرشّح عبدالله السنكي ضدّ النائب محَمّد بشير المغيربي (عَن دائرة الصابري - بّنْغازي)، وكذلك بصحّة الطعن المقدّم مِن المرشّح ضدّ النائب الفتيوري زميت (عَن الدائرة الثّالثة - طرابلس)"، وبعد إصدار المحكمة العليا حكمها القاضي بصحّة الطعن المقدّم من قبل عبدالله السنكي تقرر أنّ يكون 3 يوليو 1961م موعداً لإجراء الانتخابات التكميليّة بدائرة الصابري.
أعاد محَمّد بشير المغيربي ترشيح نفسه ورفض السنكي إعادة ترشيح نفسه، فدخل السيّد محَمّد علي إحنيش (1922م - 17 ديسمبر 1989م) حلبة المنافسة مكانه. وقال الدّكتور محَمّد يُوسف المقريَّف عَن هذه الحادثة فِي الصفحة (354) مِن مجلّده المُشار إليه مَا يلي..".. تحدّد موعد الانتخابات التكميليّة بدائرة الصابري فِي 3 يوليو 1961م، وأنّ المغيربي أعاد ترشيح نفسه لمقعدها، وأنّ منافسه هذه المرّة، كان محَمّد علي إحنيش، أحد كبار موظفي نظارة الدّاخليّة فِي ولايّة برقة. وأسفرت الانتخابات عن فوز المغيربي مرّة أخرى بعضويّة البرلمان".
عارض السيّد عبدالله السنكي نظام معمّر القذّافي مُنذ لحظة الانْقِلاب الأولى، وخرج مِن البلاد إِلى مِصْر فِي سبعينيات القرن المنصرم. وبعد وصوله إِلى مِصْر، تحدّث مع كبار الشخصيّات المصريّة حول الأوضاع فِي ليبَيا وحثّهم على مساعدة الِلّيبيّين السّاعين للإطاحة بنظام معمّر القذّافي المتسلط المخرب العبثي الغريب كمَا فعل أسلافهم حينما دعموا الِلّيبيّين فِي حرب التَّحرير ضدّ المستعمر الإيطالي، ويذكر أنه حينما خرج مِن ليبَيا كان الرئيس محَمّد أنور السَّادَات على خلاف كبير مع الملازم معمّر القذّافي.
اتصل السّيِّد عبدالله السنكي بشخصيّات مصريّة مرموقة وتواصل مع جهات رسميّة كثيرة، وربطته علاقة صداقة وتواصل مع عدد مِن كبار القضاة والصحفيين والسّياسيين المصريين وكان فِي مقدمة أولئك السّياسيين: السّيِّد ممدوح سَالم (1918م - 25 فبراير 1988م) الّذِي كان وزيراً للدّاخليّة ثمّ رئيساَ للوزراء فِي عهد الرئيس الرَّاحل محَمّد أنور السّادْات والّذِي اختاره السّادْات فِي عَام 1978م مساعداً لرئيس الجمهوريّة، والسّيِّد فوزي عبدالحافظ الّذِي كان مديراً لمكتب السّادْات، وكانت له صلة باللواء محَمّد فؤاد نصار رئيس المخابرات الحربيّة أثناء حرب أكتوبر 1973م ورئيس المخابرات العامّة من عَام 1981م إِلى 1983م ثمّ محافظ مَطْرُوْح الواقعة فِي السّاحل الشّمالي فِي أقصى شمال غرب مِصْر، وقد روى السّيِّد سيف النَّصر عبْدالجليل وزير الدَّفاع الأسبق أنه كان دائم الزيارة للحاج عبدالله فِي شقته الكائنة فِي عمارة أبوالفتوح المطلة على النيل بالقرب مِن فندق الشيراتون، وكثيراً مَا وجد عنده شخصيّة مهمّة مِن الشخصيّات المصريّة، وأنه تعرف على عدد مِن الشخصيّات المهمّة فِي بيته مِن بينهم: السّيِّد فوزي عبدالحافظ مدير مكتب الرئيس.
ومِن جهة ثانيّة، تمكّن السّيِّد عبدالله مِن مقابلة محَمّد أنور السّادْات رئيس جمهوريّة مِصْر العربيّة الثالث، والذِي تولّى الرئاسة بعد وفاة الرئيس جمال عبْدالناصر فِي 28 سبتمبر 1970م حيث كان نائباً للرئيس، وتحدث معه حول الأوضاع الِلّيبيّة وفكرة تأسيس جيش وطنيّ لإنقاذ ليبَيا مِن حكم معمّر القذّافي على غرار جيش التَّحرير الِلّيبيّ الّذِي تأسس فِي التاسع مِن أغسطس 1940م فِي مِصْر فِي الكيلو تسعة بالطّريق الصحراوي غربي القاهرة، ويُذكر أن السّيِّد عبدالله السنكي والسّيِّد مُصْطفى القنين (تُوفي فِي صيف 1978م)، دعوا الِلّيبيّين المقيمين فِي مِصْر فِي ربيع 1978م إِلى تأسيس قوَّة عسكريّة على غرار جيش التَّحرير الّذِي تأسس فِي مِصْر زمن الاحتلال الإيطالي.
لمّا تقدّمت بالحاج عبدالله السنكي السِّنُّ اكتفى بمتابعة الأحداث مِن خلال الصحافة والإعلام، ومناقشة زواره مِن المُعارضين وسؤالهم عَن أخر تطورات القضيّة، وتقديم النّصِيحة كلما طلبت منه وتذكير محاوره بالكثير مِن العبر والدروس المستفادة مِن التاريخ، وخلال الخمس سنوات الأخيرة مِن عمره، لم يغادر الحاج عبدالله مِصْر إلاّ مرتين، ذهب إِلى الحج فِي الأولى، والثانيّة إِلى العمرة بصحبة رفيق عمره السّيِّد رمضان سَالم الكيخيّا، تُوفى الحاج عبدالله السنكي فِي القاهرة يوم 4 أبريل 1989م، واجتمِع فِي يوم وفاته عدد مِن الشخصيّات المصريّة وجمع غفير مِن الِلّيبيّين المُقيمين فِي مِصْر حينئذ وإِلى جانبهم عدد مِن قيادات فَصائل الْمُعارضة بأَطيافِها وتياراتهِا المختلفة، فِي منزل ابنه فتحي الكائن بشارع عبْدالعزيز آل سعود بكورنيش المنيل، وتقرر يومها أن تعقد ليالي المأتم فِي بيت المنيل بالنسبة للنساء أمّا الرجال ففي مقر الرَّابطة الِلّيبيّة بحيّ المُهندسين.
وَفِي ليبَيا، أقام أخوه السّيِّد محَمّد ليالي المأتم فِي منزله الكائن فِي مدِينة الحدائق بالفويهات الشَّرقِيَّة فِي بّنْغازي، وحضرها أهل الفقيد وأقاربه وجموع من سكّان المدينة وعدد مِن الشخصيّات الوطنيّة البارزة. وقد أبَّنهُ السّيِّد عبدالله محَمّد سميو (1919م - 21 يناير 1996م) أحد شخصيّات مدينة بّنْغازي المعروفة بكلمة مفصله سرد فيها ذكرياته مع الفقيد وعدد مواقفه الوطنيّة ومناقبه الحسنة وأفعاله الخيرة وسجاياه النبيلة.
ودُفنَ الفقيد فِي مقبرة الِلّيبيّين بأبي روّاش بالقرب مِن قريّة كرداسة التابعة للجيزة. ووقفت جموع المشيعين تدعو للحاج عبدالله بعْد مواراة جثمانه الثرى فِي مشهد مهيب، حيث كان الفقيد يحظى بمحبة النَّاس وتقديرهم لما إتصف به مِن صفات حميدة وسجايا طيّبة، ونشر الأستاذ نوري رمضان الكيخيّا خبر وفاته وتعزيةٌ بإسم: (التجمع الوطنيّ الدّيمقراطيّ الِلّيبيّ) فِي مجلّة: (صوت ليبَيا) الناطقة بإسم التنظيم، فِي عدد المجلّة رقم (20) الصّادر بتاريخ أبريل 1989م، رحم الله الفقيد، وأدخله فسيح جناته
المصدر: د. شكري السنكي