
عرفت بنغازي قبل عام من إنقلاب مجموعة من الملازمين على إدريس السنوسي، موحد ليبيا، ومناضلها الاستقلالي الأول، والمواطن الأكثر ورعاً، وكانت بنغازي، مثل باقي بلاد ليبيا؛ أرضاً هادئة تحبو نحو الحداثة والكفاية والحلم بمكان بين العرب، كان السنوسي أكثر من يعرف هول مساحة الدولة ووسع تعددها، وعمق مكوناتها،لذلك، أراد بناء دولة تقوم على التوافق والتلاقي ومد الجسور.
ذهب الأستاذ محمد حسنين هيكل إلى الصين بدعوة من ماو تسي تونغ بعيد الثورة الثقافية، وعندما عاد، وجد في مكتبه معمر القذافي ومعه طن من الأسئلة حول الثورة! وبعد أيام أعلن ماو تسي تونغ العرب ثورته الثقافية؛ «الكتاب الأخضر» مقابل «الكتاب الأحمر»، «القائد» مقابل «التشرمان»، ليبيا مقابل الصين.
من طريقة القذافي في طرح الأسئلة، أدرك هيكل أن الأخ العقيد سيأخذ ليبيا إلى هيجان آخر، عندما إندلعت ثورة 17 فبراير في مقر الأمن في بنغازي، كان الأخ القائد قد أصبح ملك ملوك أفريقيا وسائر الملحقات، تأمل العالم الإنتفاضة في بنغازي ويده على قلبه: ترى أي دولة سوف تقوم بعد 42 عاماً من «الكومونات» والثورات الثقافية والوحدات العربية والخيام المضحكة؟ أطلت يومها وجوه مجموعة من العقلاء مثل محمود جبريل، ومحمود شمام، وعبد الفتاح يونس، ومصطفى عبد الجليل، ورحنا نأمل أن تنتهي المرحلة الإنتقالية بسرعة، وأن تخرج ليبيا من الكابوس الطويل، وتستعيد بناء المؤسسات ومقومات المستقبل وإرادة الحرية والدولة.
أتطلع إلى الشاشات التلفزيونية بحثاً عن بنغازي، فأين بنغازي؟ أين مدينة الهدوء والعمل والسعي؟ هل هذه الرقة أم حلب أم الرمادي؟ هذا خط واحد تقريباً: في ظل أنظمة القادة المفحمة بالظلام تنمو القوى المفحمة بالظلامية، ماذا كنت تتوقع أن ينمو في جماهيرية تنصب المشانق في حرم الجامعات، وتستبدل المؤسسات العامة بـ«اللجان»؟ هذه هي النتيجة، بنغازي مجرد خرائب وركام، أثر بعد عين، لم يبق سوى الملاجئ، وهذا هو الخط البياني في بلدان الوحدة والحرية والاشتراكية: لاجئون يحملون أطفالهم على طرقات العالم، والعالم يضيق بأحمالهم، وهم عالقون أمام جدران الشفقة ما بين الأردن ومقدونيا والمجر وسيبيريا، ولكن ثمة أمل واسع: إنتخابات أبريل المقبل بكل مراكز الاقتراع حول العالم، بنغازي؟ أين بنغازي؟
بقلم: سمير عطا الله