
ولد فتحي سليمان جعودة في مدينة بنغازي عام 1936 في وسط مدينة بنغازي على شاطئ بحر الشابي وبالقرب من الزاوية الرفاعية، في تلك السنوات القاسية حيث مرت خمس سنوات على إعدام عمر المختار، وضعفت حركة المقاومة الشعبية وازدياد غرطسة الطليان ولهيب الحرب العالمية الثانية، فبعد إنتهاء الحرب إلتحق الطالب فتحي ومعه ثلة من أبناء مدينة بنغازي في أول مدرسة في المدينة؛ مدرسة الأمير الإبتدائية (المجاهد لاحقاً) التي أسسها الحاج محمد العالم حويو مع محمود امبارك الشريف ومعهم 200 طفل من فصلين، ومنه بدأت قصة التعليم في بنغازي، ومنها تلقى الطالب فتحي تعليمه الأول على أيدي من النخب الليبية التي أسست جيل ينبع بالوطنية وحب الوطن والعطاء ومنهم الشيخ الجليل محمود دهيميش، بن عروس مهلهل، يوسف الدلنسي، حامد الشويهدي وناظر المدرسة الأستاذ محمود ادريزة.
في عام 1954 رشح مع تسعة طلاب من برقة للمشاركة في أول مخيم كشفي على مستوى الوطن العربي في سوريا، برفقة علي الزايدي وهو نفس العام الذي إجتاز فيه المرحلة الثانوية بتفوق، ولأنه لم تكن هناك جامعة في ليبيا في ذلك الوقت التي تأسست عام 1955، أوفدت الحكومة عدد من الطلبة إلى تركيا ومصر للدارسة، حيث تحصل المهندس فتحي على بكالوريوس هندسة معمارية من جامعة عين شمس في مصر بدرجة تفوق عام 1959، ثم عاد إلى أرض الوطن لحصاد ما تم زرعه في زمن الحروب والشدة والتهجير بأمل راسخ وإيمان ببناء دولة وإعادة إعمار.
بدأ المهندس فتحي مشواره العملي كمهندس معماري حتى عام 1962 عندما رشح لمنصب ناظر الأشغال العامة في ولاية برقة حتى عام 1963 عندما كلف رسمياً بمنصب وكيل وزارة الأشغال العامة، هناك أثبت جدارته في العمل وتسيير وتدبير وإدارة الأمور حتى عام 1967 في حكومة الشباب التي كان على رأسها المرحوم عبد الحميد البكوش، كلف المهندس فتحي بمنصب وزير الاشغال العامة حتى انقلاب القذافي، حيث قدم إستقالته واتجه إلى العمل في الخفاء من أجل ليبيا وتكملة الحلم الذي شاب عليه، حيث عمل المهندس فتحي جعودة بعد ذلك مديراً عاماً للمكتب الهندسي الليبي ثم مديراً عاماً للمكتب التنفيذي لمشروعي مطار بنغازي الدولي و7000 وحدة سكنية بنغازي.
ترك المهندس الوزير بصمته في كل ربوع ليبيا بين كل أزقتها سواء كانت مباني أو بين أهالي المدينة حتى كان يقابل بكل احترام وتقدير وود، جمعته علاقة طيبة مع سكان المدينة، لم تكن مناسبة إلا والحاج فتحي أحد المعازيم والحضور.
رحل وترك تاريخاً حافلاً وعطاء تشهد عليه الأجيال اليوم والقادمة، ترك المهندس بصمته المعمارية في كل ربوع ليبيا، منها الجامعة الإسلامية في البيضاء التي تعد من أجمل المباني في برقة على الطراز الإسلامي، ومبنى البرلمان أيضاً في البيضاء، مجمع المحاكم والمجمع الحكومي في مدينة بنغازي ومستشفي الجلاء وعيادة العيون وعيادات الهلال الاحمر، ومبنى شركة الفيات، وكلية الطب، وشركة ليبيا للتأمين في سرت، وعدد كبير من المدارس، تاريخ حافل وعطاء مستمر إلى آخر أيامه، شهدت له المدينة ومبانيها وأبنائها والأجيال القادمة أعماله وإخلاصه المستمر وعهده في بناء وتطوير وطن للجميع.
ودعت مدينة بنغازي صباح الأحد الموافق 2016.10.09 أحد رجالتها وأعيانها الذي عمل دون كلل أو ملل من أجل إعمار وبناء دولة اسمها ليبيا بكل مهنية وإتقان ويد نزيهة شريفة بعيداً عن البلعطة والإختلاس والتزوير، المهندس فتحي جعودة من جيل الآباء المؤسسين الذي نشأت الدولة الليبية على أيديهم بعد الإستقلال في طريق سلكوه مع الأمير والملك إدريس لبناء وتأسيس دولة لكل الليبين، رحم الله المهندس والأب فتحي سلميان جعودة وأسكنه الله فسيح جناته.
المصدر: زيد البسيوني