
ولد عوض محمد زاقوب في عام 1911، وتلقى تعليمه الديني في الزاوية السنوسية بشارع قصر حمد في مدينة بنغازي، وحفظ القرآن وعمره 10 سنوات كما حفظ ألفية ابن مالك، كان يتميز بالذكاء والنشاط وسرعة الحفظ، وكان عصامياً أسهم في تثقيف نفسه بالقراءة والإطلاع الواسع مما أكسبه ثقافة عالية ميزته بين أقرانه، عاش حياة حافلة بالنشاط المتواصل إبتداء من توزيع الكتب الذي استمر فيه لمدة 5 سنوات إلى كتابة المقالات السياسية والمنوعة، وقد خاض تجربة الصحافة التي بدأها كهاو، واستمر فيها من 1953 وحتى 1972 وبين توزيع الكتب ومسيرة الصحافة كانت فترة نفيه من مدينته بنغازي إلى منطقة براك الشاطيء لمدة 5 سنوات.
تنوعت ثقافته بين الكتب وتجارب الحياة والسفر، حيث كان دائم الترحال وقد زار الكثير من الدول العربية مثل مصر وتونس والمغرب وسوريا ولبنان والعراق والسعودية، كما زار العديد من دول أوروبا مثل فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا وسويسرا وتركيا، وكان يحب دائماً أن يصطحب معه كاميرته لتصوير اللقطات المختلفة، وأثناء عمله الصحفي تمتع عوض زاقوب بعلاقات واسعة مع طبقة النخبة من الكتاب والصحفيين والسياسيين على مستوى الوطن العربي وقد جمعته علاقة صداقة بالصحفي اللبناني كامل مروة الذي كان آنذاك رئيساً لتحرير صحيفة الحياة ثم اغتيل فحزن عليه زاقوب أشد الحزن.
وكانت لعوض زاقوب ميولاً أدبية فقد كان مستمعاً جيداً للشعر الشعبي، ويحفظ منه الكثير، كما كان يحفظ العديد من الأشعار الصوفية وغيرها من الأشعار العربية، ومن أقرب الأصدقاء إليه كان الشاعر أحمد رفيق المهدوي، وقد نظم عوض زاقوب أبياتاً من الشعر كان عنوانها (إلى رفيق شاعر الوطن الكبير)، يقول في مطلعها: ألا قل لي بربك يا رفيق .. أفاق النائمون فهل تفيق .. شدوت فكنت غريداً شجياً .. ونمت ونوم شاعرنا عميق .. أتصمت والحياة هوى ويسر .. وتنطق والحياة أسى وضيق، وكان زاقوب من أشد المعجبين بأعمال الكاتب المصري الشهير مصطفى صادق الرافعي، لدرجة أنه أثناء عودته من موسم الحج في ستينيات القرن الماضي عرج على مصر ونزل في طنطا وقام بزيارة قبر الرافعي وقراءة الفاتحة على روحه.
في عام 1933 من القرن الماضي، أسس السيد عوض محمد زاقوب مكتبة وقرطاسية في (سوق الظلام) سابقاً، وكان يبيع فيها الكتب والمجلات والجرائد المختلفة، إضافة إلى أدوات القرطاسية من الأقلام والكراسات التي كان يستوردها من تورينو بإيطاليا مطبوعاً عليها باللغة الإيطالية (مكتبة زاقوب بنغازي) والأدوات الأخرى، وقد انتقل فيما بعد المرحوم عوض كشلك إلى مكان هذه المكتبة، وكانت مكتبة السيد عوض زاقوب تقع مقابلة لمتجر أبيه محمد زاقوب الذي كان يبيع العطرية والأقمشة والعلائق والأدوات المستعملة في الحياكة، وأدوات أخرى تستعمل في الحياة اليومية وقد نشط عوض زاقوب آنذاك في جلب الكتب والمجلات والصحف التي كانت تصله من مصر، بعد أن يتم شحنها في باخرة متجهة إلى ميناء طبرق، ومن هناك يستلمها عبد الهادي استيتة وهو صاحب مكتبة مشهورة في طبرق، ويرسلها في سيارة إلى بنغازي حيث يستلمها عوض زاقوب ويقوم بتوزيعها، وكان يقوم بجلب الكتب والمجلات عن طريق ميناء طبرق لعدم وجود تشديد من الجمارك هناك وبعيداً عن قيود جمارك ميناء بنغازي.
ومن الجرائد التي كانت توزع في مكتبة زاقوب: جريدة الأيام السورية التي صدرت عن حزب الكتلة الوطنية عام 1931 وكانت تدعو إلى الإستقلال وتناهض الإنتداب الفرنسي، جريدة بريد برقة الصادرة في بنغازي عام 1921 وكان رئيس تحريرها محمد طاهر المحيشي، جريدة الإخوان المسلمين المصرية، جريدة أبونظارة الصادرة في باريس، أما المجلات فقد كان منها: مجلة نور الإسلام الصادرة في القاهرة، مجلة الرسالة التي أصدرها أحمد حسن الزيات وكتب فيها العديد من كبار الكتاب المصريين أمثال العقاد والمازني والرافعي وغيرهم، مجلة ليبيا المصورة الصادرة في بنغازي عام 1935 وكان رئيس تحريرها عمر فخري المحيشي وقد نشر فيها العديد من الكتاب والأدباء والشعراء وعلى رأسهم أحمد رفيق المهدوي وأحمد الشارف وأحمد الفساطوي ومحمد عبد القادر الحصادي وغيرهم، ومن الكتب التي كانت تباع في هذه المكتبة: الجواهر في تفسير القرآن (ويقع في ثلاثة أجزاء) وهو من تأليف الشيخ طنطاوي الجوهري، مقدمة إبن خلدون، إضافة إلى كتب ومجلات أخرى كانت تزخر بها مكتبة عوض زاقوب، الذي كان يقوم بجلب كتب القراءة الرشيدة من مصر وهي كتب منهجية من ثلاثة أجزاء كان زاقوب يوزعها مجاناً على المدرسين الليبيين في ذلك الوقت والذين بدورهم شجعوا التلاميذ الصغار على اقتناء هذه الكتب والإستفادة منها.
كان عوض زاقوب يراسل بعض الصحف العربية في الخارج باسم مستعار مثل صحيفة البلاغ الصادرة في القاهرة والتي كانت من أبرز الصحف الناطقة بلسان حزب الوفد وكانت تحمل على السياسة الإنجليزية في مصر، وصحيفة البيان التي أسسها الشيخ سليمان بدرو عام 1910 في الولايات المتحدة وكانت تمثل لسان العرب الأحرار وتنادي بمجد العروبة، وغيرها من الصحف العربية مبيناً في رسائله حالة المواطنين الليبيين وما يلاقونه من سوء المعاملة في ظل الحكم الإستعماري، وكان ناشطاً في توزيع الكتب والمجلات والجرائد بأنواعها بما فيها الممنوعة من قبل السلطات الإيطالية والتي كان زاقوب يوزعها بشكل سري على النخبة المثقفة آنذاك، ويبدو أن أمره قد افتضح عن طريق العيون والجواسيس، وإضافة إلى ذلك فإن السلطات الإستعمارية لم تكن راضية عن كتب القراءة الرشيدة التي بدأت تنتشر بين التلاميذ الصغار في ذلك الوقت وكان زاقوب يأتي بها من مصر.
في 27 يوليو من عام 1938 تم إعتقال عوض زاقوب وإيداعه في السجن الإقليمي (CARCERE REGIONALE) وهو السجن الخاص بالإقليم الشرقي من البلاد والذي كان يقع عند شاطئ مدينة بنغازي مقابلاً لمقبرة (سيدي اخريبيش ) حيث تعرض هناك لأنواع من التعذيب والإهانة وقد تم تفتيش منزل زاقوب وإغلاق حجرة عوض زاقوب بالشمع الأحمر بعد تفتيشها وإحراق ماتبقى من كتب القراءة الرشيدة، وفي يناير من عام 1939 تم نقله في باخرة متجهة إلى طرابلس ومكث هناك في السجن حوالي خمسة أسابيع ليتم نفيه إلى منطقة براك بوادي الشاطئ.
ظل عوض زاقوب منفياً في براك بالجنوب إلى أن دخلتها القوات الفرنسية يوم 1943.01.03 بقيادة الجنرال ليكليرك فعلم الفرنسيون بقصة نفيه ورحل معهم إلى تشاد وهناك تعرف على تاجر سوداني في منطقة زوار فأقام معه، وكان التاجر السوداني على علاقة مع مجموعة من الليبيين الذين اضطرتهم ظروف الحرب للهجرة إلى تشاد وكانوا مقيمين في منطقة فايالارج ويعملون بالتجارة وكان أشهرهم عبد الحميد عيسى بن عو يشة من مواليد منطقة الكفرة والذي عرف بثقافته ووعيه وكان يحفظ القرآن الكريم، أخبر التاجر السوداني الليبيين المقيمين في فايالارج بأن أحد أبناء وطنهم يقيم معه فأسرعوا بالمجيء إليه واصطحبوه معهم إلى فايالارج وأحسنوا ضيافته وهناك تعرف عوض زاقوب على مصطفى جابر الذي أخبره بأنه كان يتردد على متجر والده محمد زاقوب في سوق الظلام وتوطدت العلاقة بين الإثنين.
سافر عوض زاقوب بعد ذلك إلى أنجامينا ومنها إلى أبشة حيث أقام عند الحاج إبراهيم البشاري وهو من الليبيين المهاجرين وكان تاجراً معروفاً وشخصية مرموقة وتربطه علاقة وطيدة بسلطان واداي محمد عراضة، ومن أبشة سافر زاقوب في سيارة نقل إلى منطقة جنينة على الحدود السودانية حيث نزل ضيفاً على الحاج السنوسي امحمد النفار ليكمل بعد ذلك رحلته فيمضي إلى منطقة الفاشر ويقيم عند الحاج محمد طاهر بوسفيطة، أقام عوض زاقوب في ضيافة الحاج محمد طاهر بوسفيطة ثم سافر إلى الخرطوم حيث ركب القطار الذي نقله إلى الحدود المصرية، ومنها سافر في قافلة متجهة إلى أسوان وهناك إستقل القطار المتجه إلى القاهرة وأقام فيها عند أخيه محمود الذي كان آنذاك طالباً يدرس في مصر ثم عاد إلى مدينة بنغازي عام 1944، وبعد حياة حافلة بالعطاء انتقل عوض محمد زاقوب إلى جوار ربه في عام 1990.
المصدر: محمد العنيزى