
حضرت السيدة خدوجة إلى القاضي ليشهد عليها جميع الحضور أنها هي وإبنتها سالمة قد وكلن إبن أخ زوجها السيد يوسف لينوب عليهن للإشراف على السانية (المزرعة) وبعض المغايز (دكاكين) في بنغازي.
ومع مرور السنوات توفيت السيدة خدوجة تاركة جميع ماتملك لإبنتها سالمة، أصبحت سالمة وحيدة إلا من إبن عمها الذي كان يزورها بين الفترة والأخرى لجلب إيرادات أملاكها، وبأحد الأيام عرض عليها الزواج، قبلت سالمة الزواج من إبن عمها، لأن في نظرها أن إبن عمها هو الشخص الوحيد الذي يستطيع الحفاظ عليها وعلى أموالها، وبعد الزواج لم تعد سالمة تراجع إيرادات عقاراتها وذلك لأن الوصي أصبح زوجاً لها.
مرت السنوات ولم ترزق سالمة بمولود، أصبح التململ سمة الزوج، في ذلك الوقت كان اللوم كله على المرأة وهي التي تتحمل كل أسباب عدم الانجاب، قررت سالمة أن تختار زوجة لزوجها، ووفقاً لمعاييرها هي، فقد إختارت فتاة صغيرة فقيرة ويتيمة، لأن في نظر سالمة أن تظل هذه الفتاة خادمة لها ولزوجها وكذلك لتنجب لهم الأولاد، ولكن مع الوقت تغير كل شيء، أغرم الزوج بالزوجة الجديدة، فهي صغيرة وجميلة وأصبحت كل طلباتها مجابة، فقد أصبحت لاتبالي بما تطلبه منها السيدة سالمة، لقد كبرت الفتاة الصغيرة وكبر عقلها وكبرت معه أطماعها، تغيرت متطلباتها، أصبحت متأكدة أن زوجها صار أسيراً لديها ولا يرفض لها طلباً.
بأحد الايام طلبت من زوجها الضغط على السيدة سالمة حتى تتنازل له عن كل ماتملك ولكن كان جوابه الرفض، ومع الأيام إقتنع الزوج بكلامها وطلب من زوجته سالمة بأن تتنازل عن كل ماتملك، رفضت سالمة مراراً هذا الطلب، مما جعلها أسيرة البيت ولا يراها أي أحد.
خطرت ببال الزوجة الثانية فكرة وهي سجن سالمة بالقبو أسفل البيت علها تخاف وتتنازل عن أموالها، كان يوجد ببعض بيوت بنغازي القديمة تلك السراديب والمخازن السفلية التي تستعمل لخزن الحبوب والغذاء، اقتيدت سالمة إلى القبو وسجنت به، منعت عنها الزيارات، سأل عنها جيرانها فكان جواب الزوجة الثانية أنها في زيارة لأقارب لها خارج بنغازي، ظلت سالمة على هذا الحال لشهور.
وفي عام 1911 إقتربت البوارج الحربية الإيطالية من شواطئ بنغازي، إنتشر الرعب والهلع بين السكان، وإزداد الخوف مع سقوط بعض القنابل على المدينة، ترك بعض الناس بيوتهم فمنهم من إحتمى بدور العبادة من مساجد وكنس يهودية وكنائس مسيحية، والبعض الآخر هرب خارج بنغازي فمنهم من ذهب ناحية غرب المدينة والبعض الآخر هرب شرق المدينة.
إلتحق بعض شباب المدينة ببعض المجاهدين لمقاومة الغزو، وأصبحت بنغازي مدينة خالية من السكان إلا من بعض المرضى وكبار السن الذين عجزوا عن الخروج، لقد إنتشرت رائحة البارود وصارت شوارع المدينة ملاذاً للكلاب المسعورة الباحثة عن لقمة تسد بها جوعها، خرج السيد يوسف ومعه زوجته الثانية ناسياً سالمة سجينة القبو وحيدة، سقطت إحدى القنابل بالقرب من المنزل مما تسبب بإنهيار جزء كبير منه، إستطاعت سالمة الخروج ولكن لم تعد تستطيع رؤية أي شيء، لقد طمس الظلام نظرها، خرجت من تحت الأنقاض جريحة ومنهكة، ولكن رائحة دمها جلبت العديد من الكلاب والتي هاجمت السيدة سالمة ونهشت لحمها، قطعت الكلاب جسد سالمة لتصبح ممزقة تتناقل بقطع لحمها الكلاب بين أزقة المدينة.
بقلم: صفحة ملتقى أهالي بنغازي على الفيس بوك