مقال

حكاية مكان .. ميدان سوق الحوت

إعتمد سكان بنغازي منذ زمن بعيد على صيد الأسماك من أجل توفير الغذاء الكافي لعائلاتهم، وعمل البعض منهم بمهنة صيد السمك كمصدر رزق وتوارثوها جيلاً بعد جيل، وقد استخدم الصيادون كثيراً من وسائل صيد الأسماك منها الصنارة والشباك والبرينجيالي وغيرها من الأدوات المستخدمة في صيد السمك.

الصيادون في بنغازي تأثروا من خلال احتكاكهم بالأقليات الأجنبية التي كانت تسكن المدينة ومنها اليونانية والمالطية والإيطالية، بأسلوب صيد الأسماك وتسمياتها، ولذلك نجد أن أسماء الأسماك هنا هي في الأصل أسماء يونانية وإيطالية، كما استخدم الصيادون اأنواع طعوم لا تختلف عما هو معروف في شواطئ البحر المتوسط، مثل الجمبري، الدودة، وسرطان البحر، والقرنيطة ( الأخطبوط)، والناموسة، والخبز والعجينة.

وتتميز شواطئ بنغازي بوفرة أنواع الأسماك طوال السنة، مما جعل من مهنة صيد الأسماك ، مهنة طوال السنة، ومربحة رغم مخاطرها، مما أغرى البحارة اليونانيين للقدوم لممارسة حرفة صيد السمك و الإسفنج( النشاف)، كما اهتمت سلطات الإحتلال الإيطالي بهذا الشأن وأقامت تنارة لصيد الاسماك في منطقة المنقار قرب بنغازي، وأنشأت سوقاً للأسماك عرف بسوق الحوت.

إذا وصلت لميدان سوق الحوت وأنت قادم من شارع العقيب، يقابلك على اليمين ما كان يعرف بسوق الحوت وهو السوق الوحيد لبيع الأسماك في المدينة في ذاك الوقت، والذي سمي الميدان باسمه، ليصبح أحد أهم معالم مدينة بنغازي.

بني السوق في العصر الإيطالي، وكان غاية في التصميم الهندسي، سقفه عالي، وأرضيته من الرخام، وبداخله ثلاجات لصناعة الثلج، ولحفظ الأسماك الطازجة القادمة للتو من بحر بنغازي في فلايك خشب يقودها رياس وحواتة ليبيين.

سوق الحوت الذي اختفى الآن، مازالت أصداء الباعة وهم ينادون على بضاعتهم (هيا قرب، الشولة بجنيه ونص، هيا قرب وشوف الحمراية، الحوت والصبار والليم القارص) ترن في أسماعي، عندما كنت أذهب لشراء السمك.

في مدخل السوق كانت تقابلك لوحة بها قائمة أسعار الأسماك، وبمجرد دخولك تجد لوح كبير من المرمر فوقه الصيد الوفير الذي عاد به الحواتة من الأسماك الطازجة من كل الأنواع، كلب بحر، قرنيطة، شولة، حمراية، فروج، مناني، سردينة، بوري، في المكان من حولك تشم روائح الأسماك والبحر، وباعة ينظفون ظهور الأسماك ويفرغون أحشائها لتكون جاهزة للزبون الذي يقوم بشرائها، ويرجع بها لأهل بيته، وفي خارج السوق ترى القطط المتجمعة تنتظر الفرج من بقايا تنظيف السمك.

وبعد الإنتهاء من عملهم، كان الصيادون في بنغازي يستريحون إما في مقهى سي ميلاد، الملاصق لسوق الحوت، حيث الكراسي المتناثرة في الخارج، يجلس عليها بائعوا الأسماك، وحتى البحارة اليونانيين، يحتسون القهوة والشاهي ويتبادلون الأحاديث المختلفة، أو في مقهى سليمان بيده، حيث يجلس الرياس.

بقلم: عبد السلام الزغيبي