
ينتمي المؤرخ الراحل محمد مصطفى بازامه إلى أسرة من واحة جالو (جنوب برقة) ولكنه ولد وعاش وتوفي بمدينة بنغازي كأبيه وجده وتعد أسرته واحدة من عشرات الأسر واللحمات والقبائل التي تشكل النسيج الاجتماعي لمدينة بنغازي، وقد كانت هذه المدينة الحديثة النشأة (بهذا الاسم) نسبياً موطن جذب واستقرار لكثير من شرائح المهاجرين الوافدين إليها من مختلف البلاد الليبية.
ولد المؤرخ الراحل خلال سنوات الاحتلال الإيطالي وكان الصراع آنذاك على أشده في الجبل الأخضر بين المجاهدين والإيطاليين، ونشأ في تلك الظروف القاسية واحداً من أبناء جيل ما بين الحربين العالميتين، فشهد في طفولته وصباه السنوات الأخيرة من الاحتلال الإيطالي التي لم تتح له الفرصة الكافية لاستكمال تعليمه، وعاصر أحداث الحرب العالمية الثانية التي اكتوى الشعب الليبي بنارها وأضرار مخلفاتها الفاتكة، واستهل حياته العملية مدرسا منذ سنة 1944 خلال فترة الانتداب البريطاني على البلاد التي خيم عليها البؤس وشظف العيش والحرمان. ولا شك أن مجمل هذه المعطيات والظروف القاسية هي التي أوقدت جذوة الحماس في نفسه ليخوض تجربته العصامية المتميزة في التكوين الذاتي والاعتماد على النفس في غياب الظروف المواتية والمؤسسات العلمية الراعية التي أتيحت للأجيال اللاحقة.
غير أن هذه النشأة المكدودة مكنته مع عدد قليل من أبناء جيله من أن يكون واحدا من أولئك المثقفين المعاصرين القلائل الذين اتصلوا بالثقافة الإيطالية مبكرا، وكانت من أهم الروافد لتكوينهم العلمي، وأولى الدوافع لتوجيههم نحو العناية بالبحث التاريخي على وجه الخصوص. وفضلا عن التدريس الذي استهل به حياته العملية، اشتغل أيضا بالإدارة المدرسية، والتوجيه، والتخطيط التربوي، كما اضطلع بعضوية بعض اللجان والمؤسسات الثقافية، وهي اللجنة العليا لرعاية الفنون والآداب، والمجلس الأعلى للآثار، واللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، واللجنة المحلية للإذاعة المرئية (في بنغازي) ومجمع اللغة العربية (الليبي). واشترك في عدد من المؤتمرات والندوات التربوية والتاريخية والأدبية والسياسية، ومنها مؤتمر ليبيا في التاريخ سنة (1968) ومؤتمر الأدباء والكتاب الليبيين سنتي (1968 – 1973) ومهرجان الشاعر أحمد رفيق المهدوي سنة (1971)، ونشر منذ سنة 1951 مقالاته وبحوثه في عدة دوريات منها (ليبيا، النور، صوت المربي، الوطن، برقة الجديدة، بنغازي، الرائد، العمل، الحقيقة، البلاغ، الثورة، رسالة التربية، الثقافة، العربية، الحوادث، وبعض الصحف الإيطالية) وعمل بالصحافة ورأس تحرير صحيفة العمل الصادرة في بنغازي سنة (1972). واتجه إلى التأليف والبحث المطول في أواخر العقد الرابع من عمره، فنشر أول كتبه سنة (1961)، ونظرا لتكوينه الذاتي واهتماماته المتنوعة فقد شملت آثاره المتعددة مع توالي السنين مختلف العصور - والموضوعات التاريخية، فضلا عن بعض الجوانب الثقافية – الفكرية، خلافا لغيره من المؤرخين من أبناء جيله، ومن الأجيال اللاحقة الذين غلب على كل منهم التخصص المعمق في أحد العصور، وما يختاره من آفاقها الموضوعية، وهي السمة السائدة اليوم في حقل الدراسات التاريخية.
المصدر: موقع مركز جهاد الليبيين