وجه من وجوه بنغازي

علي الشعالية

علي الشعالية

ولد علي السنوسي الشعاليَّة بمدينة بنغازي العام 1919، هو ثالث إخوته، تلقى تعليماً أولياً بالعربية ثم الإيطالية، وكان لديه حب فطري للفن والموسيقى منذ الصغر، سافر مع أسرته إلى مدينة الإسكندرية العام 1928 وبقي بها لمدة ثلاث سنوات، ثم عاد إلى بنغازي العام 1931 وكان من الطبيعي أن يكون متأثرًا بالفن الموسيقي في مصر التي وجد فيها تنوعاً وازدهاراً فنياً زاد شغفه بالفن بشكل خاص والموسيقى بشكل عام.

كان الشعاليَّة مولعًا بآلة القانون منذ صغره، فاشترى له والده واحدة وحاول التعلم عليها لوحده لفترة من الزمن، حتى قرر أن يتشرب العزف على هذه الآلة على يد الفنان مصطفى المستيري، فبالموهبة الفطرية والإصرار اللذين امتلكهما الشعالية أصبح من أهم عازفي آلة القانون بشهادة أساتذة ومختصين مشهود لهم في عالم الموسيقى.

ذاع صِيت الفنان علي الشعالية وعرفه الجمهور، ليس من خلال العزف على آلة القانون فحسب، بل من خلال إسهاماته الفنية الأخرى كمطرب وملحن.

بعد أن قامت السلطات الإيطالية بإنشاء محطة إذاعية في مدينة طرابلس العام 1936 تم استدعاؤه للعمل بها، حيث قدم مجموعة من الأعمال الموسيقية رفقة عدد من الفنانين آنذاك، حيث صار عازفاً للقانون ومطرباً وملحناً، في هذه الفترة قدَّم كثيراً من الأعمال الفنية الرائعة، التي كانت من أشهرها أغنية (نُور عيون)، التي سُجِّلَت لأول مرة بمحطة إذاعة طرابلس.

عاد إلى بنغازي العام 1939 ليؤسس مع مهتمين بالفن فرقة مسرحية عرضت مسرحياتها في المدينة والضواحي، رفض بعضها السلطات الإيطالية آنذاك.

وشارك الشعالية في الأعمال المسرحية بالتمثيل، وبإسهامات واضحة في وضع الموسيقى للأعمال المسرحية التي تعتمد في عرضها على فواصل موسيقية تتخلل سياقات أحداثها، في محاولة جيدة منه لإشراك أو دمج الموسيقى داخل العمل المسرحي.

وشارك في كثير من المسرحيات المعروفة خلال منتصف الثلاثينيات، كما شارك مع الرائد المسرحي الفنان رجب البكُّوش في مسرحية (حسن البخيل) العام 1940.

سافر الشعالية إلى القاهرة العام 1946 لمزيد من التحصيل الفني، وتنمية ثقافته الفنية، واتصل هناك باستوديوهات محطة الإذاعة البريطانية بالقاهرة، وسجل بها أغنية (نور عيوني) وهي أول أغنية ليبية بثت على راديو (بي بي سي)، كما سجل أيضاً مجموعة أخرى من الأغاني في إذاعة الشرق الأدنى بالقاهرة، وهذا ما منحه شهرة داخل وخارج ليبيا.

وفي فترة الخمسينيات من القرن الماضي، تعاون فنياً مع بعض الفنانين التونسيين، حيث قدَّم لهم بعض الألحان الموسيقية الرائعة، التي لاقت الاستحسان والقبول داخل ليبيا وتونس فقد كان الشعالية بشهادة كبار فناني ليبيا، فناناً مجدداً على الدوام، ومواكباً للتطور الفني داخل وخارج ليبيا.

بعد افتتاح الإذاعة العام 1957 في مدينة بنغازي عمل رئيساً لقسم الموسيقى فيها، إضافة إلى عمله الفني كملحن ومطرب وعازف بفرقة الإذاعة الليبية.

كان حسّ علي الشعالية الفني مكَّنه من تطوير قوالب الأغنية الشعبية الليبية، منذ احترافه الفن كملحن ومؤدٍ للأغنية، اشتهر بالأغاني الفلكلورية الليبية، لكنه لم يقف عندها فقرر أن يطور في غنائه وما يقدمه، فكانت أغانيه (ليلى الليبية) و(يشهد علىَّ الليل) و(النوم والجيران) نقلة نوعية في الأغنية الليبية من حيث اللحن والأداء.

حبه للموسيقى والغناء جعل منه باحثاً دوماً عن الجديد والمتجدد، ففاجأ جمهوره بأن قدم لحناً مميزاً جداً وغير نمطي بالنسبة لما اعتاد تقديمه حين لحن للفنان نوشي خليل أغنية (وِلْفِي تبدَّل عني) أما المقدِّمة الموسيقية التي وضعها لأغنية الفنان الشعبي السيَّد بومدين (يا ريتني ما ريت سُود أنظاره) فتعتبر من أهم ما قدمه الفلكلور الليبي.

قدم كثيرًا من الأغاني بصوته وأخرى كانت سبباً في شهرة فنانين آخرين بأن قدم لهم ألحاناً مميزة، جعلت منه مرجعاً للأغنية الشعبية الراقية والموزونة من أهمها (نور عيون) و(ليلي الليبية) و(يشهد علي الليل) و(ولفي تبدل عني) و(توبة على الهوى) و(آه منك يا جميل) و(نْساهي العقل) و(يْخونّي ويجيبه).

نظراً لكل ما قدمه للحركة الفنية والموسيقية الليبية بشكل خاص فقد تم تسمية أهم معهد موسيقى وفنون في ليبيا باسمه وهو "معهد علي الشعالية للفنون" في مدينة بنغازي.

توفي يوم الجمعة من شهر فبراير العام 1973، وغادرنا جسداً، لكن روحه ظلت موجودة لتلهم كل محبي وعشاق الفن الفلكلوري الليبي، ويظهر هذا واضحاً جلياً في خروج يومياً أصوات فنية شابة تنتهج نهجه وتسير على خطاه.

المصدر:

المصدر: أسماء بن سعيد