
الدكتور علي نور الدين العنيزي رحمه الله وطيب ثراه أول ليبي يعين محافظا لمصرف ليبيا المركزي.
شغل المنصب من سنة 1955 تاريخ تأسيس مصرف ليبيا المركزي حتى سنة 1961 حيث عين سفيرا للمملكة الليبية لدى لبنان و الأردن. كان الدكتور على نور الدين العنيزي – رحمه الله – الذي أوكلت إليه مهمة تأسيس المصرف المركزي يُعرف برجل المهمات الصعبة. فما إن صدر المرسوم الملكي بتعيينه محافظا للمركزي وأُصدرت كل التشريعات اللازمة حتى شمر الدكتور العنيزي عن ساعد الجد وبدأ عمله باختيار مقر لائق لمصرف الدولة (المصرف المركزي). *أول مصرف مركزي أنشئ في مقر المصرف التجاري الوطني في بنغازي وتم نقل المصرف المركزي الي طرابلس في عام 1963 ميلادي بعد قرار الاتحاد في أبريل 1963. ضم مبنى المقر الرئيسي للمصرف الوطني الليبي القسم التجاري (فيما بعد أصبح المصرف التجاري الوطني) والقسم المركزي والذي سمي فيما بعد مصرف ليبيا المركزي.* ولاحقاً في طرابلس بعد الاتحاد، وفق باختياره مقر صندوق التوفير الإيطالي في طرابلس مستعملا الطابق الأرضي والطابق تحت الأرضي لأعمال المصرف، بينما احتلت المحكمة العليا الطابق العلوي من المبنى! وبالرغم من صغر مساحة هذين الطابقين إلا أنه استطاع توفير الحد الأدنى من المكاتب لاستعمال الموظفين الذين يحتاجهم المصرف.
واستطاع الدكتور العنيزي بحنكته الإدارية أن يجمع العدد اللازم من الشباب الليبيين ليشكل نواة الجهاز الإداري المطلوب للمصرف، واتصل بالمصارف المركزية والتجارية في بعض الدول الصديقة وتزود منها بشكل الاستعارة ببعض كبار الموظفين لملء المناصب العليا في المصرف، فاختار نائب المحافظ من مصرف إنجلترا المركزي والمدير العام من مصرف إيطاليا المركزي ورئيس المحاسبة من هولندا ولإدارة مراقبة النقد الأجنبي من النرويج ومستشارا اقتصاديا من مصر.
ألحق الدكتور العنيزي بالمصرف المركزي قسماً للعمليات المصرفية خدمةً للجمهور وأوكل هذه المهمة إلى مدير من الأردن. وباشر المصرف نشاطه خلال سنة 1956م واستطاع أن يدير الدكتور العنيزي مجموعة المدراء من مختلف الجنسيات بكفاءة مما مكن المصرف من التطور في مدة قصيرة للقيام بمهامه كإصدار العملة الليبية ومراقبة المصارف وتقديم الخدمات المصرفية التجارية للمواطنين وتدريب الموظفين في الداخل والخارج في وقت واحد.
إن تأسيس المصرف المركزي ومشاكل رئاسته الكثيرة لم تحل دون مشاركة الدكتور العنيزي في نشاطات مختلفة في مدينة طرابلس فكان رئيساً لجمعية الفكر الليبية ورئيسا لنادي الجولف، ولم يغب عن أي مناسبة ثقافية أو رياضية في المدينة.
وما أحوج أجيالنا اليوم وفي المستقبل لأمثاله رحمه الله رحمة واسعة.
الدكتور علي نورالدين العنيزي من مواليد مدينة بنغازي سنة 1904، تحصل على تعليمه الابتدائي بنفس المدينة بالمدرسة القرآنية بجامع الشابي، ثم انتقل للدراسة بمدرسة نابولي الثانوية بجزيرة صقلية حيث درس الزراعة بها من سنة 1915 حتى 1917 حيث انقطعت الدراسة حتى سنة 1919 بسبب الحرب العالمية الأولى ثم واصل دراسته بعد أن وضعت الحرب أوزارها بمدرسة بيشا بمدينة توركانا بإيطاليا خلال الأعوام 1921 - 1924. تحصل على دبلوم الهندسة الزراعية من معهد ما وراء البحار للزراعة في مدينة فلورنسا، ثم واصل دراسته خلال الأعوام 1924 - 1930 م، بكلية الاقتصاد والعلوم التجارية والتي تخرج منها سنة 1934م. كما درس بكلية الدراسات العربية و الإسلامية بمعهد الدراسات الشرقية بنابولي والتحق بالمعهد التابع لجامعة جرينوبل الفرنسية بمدينة نابولي. يجيد الدكتور علي نور الدين العنيزي اللغات الإيطالية والفرنسية والإنجليزية قراءة و كتابة و محادثة.
تحصل على شهادة الدكتوراه بأطروحته التي أعدها باللغة الإيطالية بعنوان "آراء بن خلدون الاقتصادية والاجتماعية" سنة 1930.
يحفل التاريخ الوظيفي للدكتور علي نور الدين العنيزي بالكثير من الوظائف المهمة فشغل وظيفة أول سكرتير ليبي لمكتب السجل العقاري ببنغازي خلال الفترة 1931 - 1933، ومدير مصلحة الأوقاف في بنغازي خلال الفترة 1933 - 1949 وخلال نفس الفترة عمل مستشارا لولاية بنغازي وهي أعلى وظيفة إدارية يسمح بها لليبيين في ذلك الوقت. انضم للحركة الوطنية منذ سنة 1941، خلال الفترة 1945-1951 التحق بجامعة الدول العربية بمصر منذ تأسيسها وساهم من خلالها في الحركة الوطنية مع هيئة التحرير الليبية و مع زعماء المغرب العربي آنذاك وعلى رأسهم الأمير عبدالكريم الخطابي رحمه الله وشارك في اجتماعات الأمم المتحدة ولعب دورا رئيسيا في إفشال مشروع بيفن سفورزا في الأمم المتحدة في مايو 1949. بين عامي 1951 و1952 مثّل إقليم برقة في مجلس الأمم المتحدة لليبيا وحضر اجتماعات الأمم المتحدة التي عقدت في دورة باريس سنة 1952 و أصبح عضوا في لجنة العملة الليبية ورئيسا للوكالة الليبية للتنمية و الاستقرار. خلال الأعوام 1952- 1955 عمل وزيرا للمالية والاقتصاد وممثل ليبيا لدى الأمم المتحدة لمساعدات ليبيا الفنية والمالية.
وباعتباره وزيرا للمالية والاقتصاد قام بإعداد مشروع قانون البترول عام 1955 والذي كان محل جذب للكثير من الشركات للتنقيب عن البترول في ليبيا. ثم تولى وزارة البترول خلال الفترة 1963-1964، وكلف خلال أعوام 1963-1966 برئاسة مجلس إدارة شركة التنمية الوطنية، ورئاسة مجلس إدارة مصرف الصحارى وشركة ليبيا للتأمين خلال الفترة 1964-1970. كما انتخب رئيسا لجمعية الفكر الليبية للأعوام 1965-1969 ورئيسا للجنة الأولمبية الليبية للأعوام 1967-1969. في أعوام 1974-1978، عين رئيسا لمجلس إدارة شركة الملاحة الوطنية.
تحصل الدكتور علي نور الدين العنيزي على وسام الاستقلال الليبي من الدرجة الأولى عام 1954، و على وشاح الأرز من الدرجة الأولى من الحكومة اللبنانية عام 1962 ووشاح التاج الأردني من الدرجة الأولى عام 1962. انتقل الدكتور علي نور الدين العنيزي طيب الله ثراه إلى رحمة الله ليلة 31 مارس 1983 في لندن بالمملكة المتحدة، ودفن جثمانه في اليوم التالي الأول من أبريل سنة 1983 بمدينة بنغازي.
المصدر: عبد الحميد المبروك