
الصحفي ورسام الكاريكاتير والمُصور الفوتوغرافي والسينمائي والمُناضل محمّد مخلوف، مِن عائلة "بوكريعات" إحدى العائلات البنغازية المعروفة، عن عمر يناهز ستة وستين عاماً، درس مخلوف الإعلام والصحافة وفنون التصوير والإخراج بكلية براد فورد "Bradford" شمال بريطانيا، هاجر إِلى بريطانيا العام 1975، وعاد إِلى ليبيا بعد تحرر المنطقة الشرقية وأثناء حرب التَّحرير الثانية في مارس 2011م.
ويُذكر أن مخلوف كان قبل خروجه من ليبيا من نشطاء الحركة الطلابية، ومن بين الذين نشروا بعض المقالات والتحقيقات في مجلة "جيل ورسالة" التي كانت تصدر عن مفوضية كشاف بنغازى، وتولى إصدارها في سبعينات القرن الماضي الصحفي والشخصيّة الكشفية الراحل سعد عمران نافو.
كان مِن أوائل الشباب الذين انضموا إِلى المعارضة الليبية في المنفى والتي تأسست في أواخر السبعينات، انضم مبكراً إِلى القوى الوطنية المعارضة لنظام القذافي في الخـارج، وبدأ نشاطه الإعلامي فِي مجلّة: "الجهاد" أولى صحف المعارضـة بالخارج ثم مجلـة "صـوت ليبيا"، انضم إِلى "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي كان يمثـله محمود سليمـان المغربـي (1935 – 2009) ومحمد فضـل زيـان، ونشر رسوماته الكاريكاتيرية في مجلـة: "الجهـاد" لسان حال التنظيم، واستمر في نشر إنتاجـه في مجلـة "صـوت ليبيا" بعد عقد مؤتمر لندن في سبتمبر 1981، والذي أسفر عنه دمج "التجمع الوطني الديمقراطي" وتنظيم "الحركة الوطنية الديمقراطية الليبية" التي كان من قياداتها فاضل المسعودي (1933 – 4 يناير 2018)، ونـوري رمضـان الكيخيا (1940 – 25 مارس 2017)، وعبدالرحمـن السويحلـي، فِي تنظيم سياسي نضـالي واحـد أُطلـق عليـه "التجمع الوطني الديمقراطي الليبي"، واعتماد مجلّة "صـوت ليبيا" كمجلة ناطقة باسم التنظيم الجديـد، و"الجهـاد" كنشرة داخلية له.
استمر عضواً بتنظيم "التجمع الوطني الديمقراطي الليبي" حتى صيف العام 1984، حيث انضم إِلى "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" عقب أحداث مايو 1984 التي كانت وراءها جبهة الإنقاذ واستهدفت نظام القذافي، واستشهاد صديقه الصادق حامد الشويهدي مهندس الطيران، الذي أُعدم شنقاً بعد محكمة صورية، بتهمة انتمائه لجبهة الإنقاذ، يوم 5 يونيو 1984 وكان يوافق ثاني أيام رمضان، بالمجمع الرياضي لكرة السلة والطائرة "جمع سليمان الضراط الرياضي" بالمدينة الرياضية فِي منطقة البركة بمدينة بنغازي.
كتب محمد مخلوف في الصحف الليبية المعارضة والصحافة العربية، وكان عضواً فِي الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وعضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، نشر العديد من الرسومات الكاريكاتيرية فِي الصحف والمجلات العربية، ومجلات المعارضة الليبية، وكتب عن معالم ليبيا السياحية والفن الليبي، ومن أهم ما كتبه حول الفن الليبي ما نشره في مجلة "المجلة" تحت عنوان ما يعرف باسم "الموسيقى الشبابية" التي رأى أنها انطلقت من ليبيا وقادها الفنان أحمد فكرون، والفنان ناصر المزداوي، والفنان إبراهيم فهمي، والفرقة الحرة بطرابلس ثم نقلها إِلى مصر الفنان حميد الشاعري.
ومن أهم التحقيقات الصحفية التي نشرها حول القضية الليبية "المعارضة الليبية تتكلم بصراحة"، المنشورة بمجلة "الدستور" بتاريخ ديسمبر 1988، وهو عبارة عن مجموعة من اللقاءات والحوارات مع قادة المعارضة ونشطائها المعروفين، وهم: منصور رشيد الكيخيا، محمد السكر، جاب اله مطر، مصطفى البركي، سليم الحجاجي، سالم عبدالسلام الحاسي، وبالإضافة إِلى ذلك، تحدث التحقيق عن الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، الجماعة الإسلاميّة ليبيا "الإخوان المسلمين"، اتحاد عام طلبة ليبيا، الإتحاد النسائي.
عمل مع بعض الصحف والمجلات العربية التي تتخذ من لندن مقراً رئيساً لها، وتمكن بحكم علاقاته الصحفية أن يجعل قضية منصور الكيخيا قضية حية فِي الصحافة العربية، على مدار سنوات طويلة، خصوصاً ما نشر في صحيفة "الحياة" اللندنية في ديسمبر 1997، ومجلة "المجلة" في عددها الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 1997، والتحقيق الصحفي المطول الذي نشر في صحيفة "الشرق الأوسط" تحت عنوان "آخر دردشة معه قبل اختفائه فِي القاهرة"، ويذكر أن المناضل الحقوقي والمعارض الوطني والسياسي المخضرم منصور الكيخيا كان قد اختطف من مصر يوم الجمعة الموافق 10 ديسمبر 1993 الذي وافق اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وبعد مشاركته في اجتماع مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة، وُضع بعد اختطافه في أحد سجون مدينة طرابلس، وظل معتقلاً حتى العام 1997م، واحتفظ بجسده بعد مقتله في ثلاجة في المكان الذي كان معتقلاً به، عُثر على جثمانه في أحد سجون مدينة طرابلس بعد تحرير المدينة في 20 أغسطس 2011.
نظم محمد مخلوف عدداً من الندوات حول قضية التغييب القسري، والتي تم عقدها بلندن على مدار أربع سنوات من تغييب منصور الكيخيا، وشاركت في تلك الندوات شخصيات عربية وليبية، ومن الشخصيات الِلّيبيّة: أحمد خليفة خليفة الماقني، محمود محمد الناكوع، السنوسي محمد البيجو، منصور عمر الكيخيا، ومن أهم الشخصيات العربية التي شاركت في تلك الندوات: عبدالحسين شعبان الحقوقي العراقي وممثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، بلند الحيدري الكاتب والشاعر العراقي المعروف، سعيد بومدوحة الناطق باسم منظمة العفو الدولية في البحرين، مصطفي كركوتي الصحفي السوري، وعديل منصور الكيخيا.
وفي العام 1984، أصدر مخلوف كتيباً يحمل العديد مِن الصور الفوتوغرافية التي التقطتها عدسته لمظاهرة المعارضين الليبيين في أبريل 1984 أمام السفارة الليبية بلندن، والتي قتلت فيها إيفون فليتشر "Yvonne Fletcher" الشرطية الإنجليزية نتيجة إطلاق النار من السفارة، وأسس في التسعينات جماعة "قورينا السينمائية الليبية"، وهي الجماعة التي أعدت الفيلم السينمائي "اسمي بشر" الفيلم الوثائقي عن قضية اختطاف منصور الكيخيا. ويعد "اسمي بشر" أول عمل سينمائي ليبي ينتج في المهجر، وهو الفيلم الذي أُنتج بتبرعات الليبيين المقيمين في المنفى، واستغرقت مدة إنتاجه حوالي سبعة أشهر، الفيلم الذي كتب نصه الصحفي حازم صاغية، وقرأت التعليق هدى الرشيد الإذاعية المعروفة، وقام محمد مخلوف بكتابة سيناريو الفيلم وإخراجه.
أسس "مهرجان الشاشة العربية المستقلة" في العام 1999، وأقيمت دورته الأولى في نفس السنة بلندن، وعقدت دورة المهرجان الثانية في الدوحة بقطر في الفترة ما بين 17 مارس إِلى 23 مارس 2001، وضم أكثر من مائة فيلم تسجيلي ووثائقي معظمها تتسم بالجرأة والصراحة في طرح الأفكار وهو الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي، احتج نظام القذافي رسمياً على الحكومة القطرية لترأس محمد مخلوف المعارض الليبي المهرجان، نقلت قناة "الجزيرة" الفضائية هذا الاحتجاج في تغطيتها فعاليات المهرجان، فقالت: "أرسلت ليبيا مذكرة احتجاج إِلى الحكومة القطرية بشأن تعيين محمد مخلوف المعارض لحكم الزعيم الليبي معمر القذافي رئيساً للمهرجان".
رد مخلوف على الاحتجاج، قائلاً: "لا أظن أن الاحتجاج الليبي على رئاستي المهرجان سيؤثر على استمراري بهذا العمل في المستقبل، ولا أظن أنني أقوم في هذا المهرجان بدور أو عمل سياسي، وأنا فقط أنظم تظاهرة فنية وثقافية، وكان حرياً بليبيا أن تفتخر بأنني أول ليبي يترأس فعالية ثقافية عربية بهذا الحجم”.
أخرج محمد مخلوف فيلماً آخر اسمه "في ظل الشجرة" عُرض في الدوحة، الفيلم الذي طوله خمس وثلاثون دقيقة، ويروي رحلة بيتر ساندرس المصور الفوتوغرافي البريطاني إِلى الإسلام، وهي رحلة روحية دامت سنين طويلة في الشرق الأوسط وأوروبا، اعتنق بعدها الإسلام وصار اسمه عبدالعظيم.
هذا، وقد شغل مخلوف في العام 2002 عضوية لجنة التحكيم الدولية ضمن "مهرجان ميلانو للسينما الأفريقية" الّتي أقيمت فعالياته بإيطاليا، كما تولى رئاسة لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة "أفلام من الإمارات" في العام 2003 في أبوظبي بالإمارات العربية المتحـدة.
وفي العام 2005، أخرج فيلماً تسجيلياً اسمه "القفص" مدته أربع عشرة دقيقة، وهو عبارة عن مجموعة من الأصوات تجمعت في مسجل تليفونه "Answer Machine"، على مدار ثلاثين عاماً، ويُذكر أن "القفص" كان قد فاز بجائزة لجنة التحكيم "الفضية" في القاهرة في "مهرجان الساقية الثاني" للأفلام التسجيلية العام 2006، ويُذكر أن محمد مخلوف كان قد شغل مهام كبير منظمي برنامج "الأفلام العربية القصيرة" خلال "مهرجان دبي السينمائي الدولي" للعامين 2004 و2005.
وفي ربيع العام 2008، أخرج فيلماً تسجيلياً عن مصطفي البركي الرجل الوطني الليبي وأحد كبار معارضي نظام القذافي، تحت اسم: "مصطفى البركي .. رجل من ليبيا"، تم عرضه في أمسية بلندن مساء يوم الخميس الموافق 27 مارس 2008، وصدر بمناسبة عرض الفيلم كتيب عن المناضل الراحل تحت عنوان "مصطفى البركي .. عاشق من ليبيا".
وفي العام 2011، وبعد اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير، عاد إِلى أرض الوطن بعد ثمانية وثلاثين عاماً قضاها معارضاً لنظام معمر القذافي في المنفى، وكان من أول النشاطات الفنية والثقافية التي قام بها بعد عودته، عرضه لشريطه الوثائقي "اسمي بشر" بقاعة "عمال اتحاد ليبيا" بمدينة بنغازي، وذلك مساء يوم الاثنين الموافق 12 ديسمبر 2011، وقال مخلوف لوسائل الإعلام والصحافة بمدينة بنغازي، ولوكالة الأنباء الليبية، بعد عرضه لـ"اسمي بشر"، ما يلي: "أنا سعيد بعودتي إِلى مدينتي بنغازي. . سعيد بعودتي إِلى وطني حيث الجذور والأصل .. لقد عدت بشكل نهائي لأشارك في النهضة الثقافية والفنيّة في بلادي، وأنقل لإخوتي الشباب خبرة اكتسبتها على مدى عقود من خلال عملي ككاتب صحفي في عدة صحف ومجلات من بينها "صحيفة الشرق الأوسط"، ومجلة "المجلة"، ومخرج ومنتج سينمائي بعدة شبكات إعلامية دولية".
وأثناء الاحتفالات بالعيد الثاني لثورة السابع عشر مِن فبراير، أُقيم مهرجان الشاشة العربية المستقلة للأفلام التسجيلية والقصيرة في دورته الثالثة بمدينة بنغازي في 20 فبراير 2013، أُقيم المهرجان برعاية المجلس المحلي لمدينة بنغازي واتحاد الأعمال الليبي، في دار «الفيل» للخيالة بالقرية السياحية في بنغازي.
أُصيب بجلطة في سبتمبر من العام 2016، وبعد فترة علاجية طويلة تحسنت صحته على نحو ما ولكنها تدهورت مجدداً مع مطلع العام 2020، فجاء إِلى القاهرة للعلاج في سبتمبر، ثم عاد إِلى وطنه، حيث تُوفي في مدينة بنغازي يوم الخميس الموافق 3 ديسمبر 2020، عن عمر يناهز ستة وستين عاماً.
رحل محمّد مخلوف بعد رحلة طويلة من النضال والعطاء، وبعدما ضحى وعمل طوال حياته في سبيل الدفاع عن قضايا شعبه ووطنه، وقد ترك وراءه رصيداً هائلاً من الكتابات الصحفية والأعمال السينمائية التى ستخلد دائماً اسمه .. رحل محمد مخلوف الصحفي والسينمائي والمناضل الكبير الذى فارقنا بجسده لكنه سيظل خالداً بأعماله.
تَرَكْت ذَكَرَاً فِي بِلادِك *** وَالذِّكْر بَعْد الْمَوْت عُمَر
المصدر: د. شكري السنكي