وجه من وجوه بنغازي

علي الجهاني - علي ويكا

علي الجهاني - علي ويكا

الفنان الشعبى الكبير علي فرج الجهانى مواليد 1928 المشهور بـ علي ويكا، نعم هكذا كان والده المرحوم فرج الجهاني يناديه بصوت مرتفع ليميزه بين أقرانه في تلك المنطقه البحرية (توريللى) وهو اسم لعائلة جنرال ايطالى .. هذا مايردده الجهاني أمام سائليه لشرح معنى الكنية التي اشتهر بها زمن أواخر العشرينات من القرن العشرين.

المنطقه التي أفرزت جيلاً ــ منطقة الشابي ــ من الرواد مثل شاعر الوطن الكبير أحمد رفيق المهدوي والأستاذ الشريف الماقني والأستاذ عبدالعزيز الأبيض وهما من كبار رجال التعليم في ليبيا والشاعر عبد الهادي الشعالية والممثل المسرحي ــ المتعدد المواهب ــ رجب البكوش والموسيقي سالم بشون والملحن مصطفى المستيري ومرجع الشعر وغناوي العلم مسعود خضر إظافة إلى أشهر رموز تاريخ الغناء محمد السيد بومدين وعلي السنوسي الشعاليه فظلاً عن الشاعر عبدالسلام قادربوه.

كان علي الجهاني يصحبه والده لحضور الحفلات والمناسبات الدينية وكان شديد التأثر بما ينشد من قصائد ومن هنا أمكن للجهاني أن يحفظ عنهم وعن والده أيضاً الكثير ومكنته أيضاً من تحسين صوته ومن إجادة الأداء عبر التحكم في درجات الصوت (الأداء) وفي مخارج الحروف والقدرة على استيعاب المقامات الموسيقية المختلفة (سماعاً) ما مكن له فيما بعد روعة أداء أنماط الغناء المختلفة عامة والأغاني الشعبية خاصة.

لقد كان مولعاً منذ الصغر بتعلم اللغة العربية على يد أستاذه السنوسي المرتضي وكان منذ اهتماماته الفنية يسترق السمع إلى كبار فناني عصره أمثال مجيد التاجوري والدوكالي وغيرهم خلال المناسبات التي تقام فى الأعراس أو في المقاهي مثل قهوة شمسة أو مقاهي الفندق البلدي، لقد أحب الجهاني الفن واعتبره من أفضل هواياته وعشقه من أعماقه وبكل أبعاده وجمالياته.

ولقد تأثر الجهاني بالفن التونسي ويقول "لقد كنت معجباً بالفن التونسي وكنت أحفظ وأردد الكثير من الأغاني الفلكلورية الشائعة وأذكر عندما اخترت كرئيس لنقابة العمال فى دورة إلى تونس 1957 كنت أقوم بلقائات فنية وبأداء أغانيهم الجميلة".

علاقته بالإذاعة

ذكر الأستاذ الجهاني أنه قام بعمل إذاعي واحد أو أكثر عام 1957 وفي حديث للفنان الكبير حسن العريبى في معرض ذكره لذكرياته في بنغازي "لقد ربطتني علاقة طويلة في مدينة بنغازي من أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات، وفى سنة 1957 التقيت بالعديد من الفنانين وكان بينهم الفنان الشعبي علي الجهاني الذي كان يغني من طبقات عالية موسيقياً وبشكل لافت".

الجهاني والبحر

ولد ــ شيخ الفنانين كما لقبه رجب فيديو ــ الجهاني ونشأ في البحر وكان مختصاً في علوم البحار وقد ابتعث في دورات إلى سكوتلندا 1946 وإلى ليفربول 1956 وبعد عودته عين مديراً ميدانياً لميناء بنغازي ليصبح أول ليبي يتولى هذا المنصب خلفاً للمدير الإنجليزى فوكس.

ومن الأشياء الطريفة يذكر الجهاني أنه عندما يصاب (ببحة في صوته) يذهب إلى البحر ليقوم بالغطس، وبمجرد خروجه من البحر تزول البحة بشكل ملحوظ.

وللبحر تاثير على الجهانى من الناحية الشعرية والفكرية والثقافية فقد انعكست هذه العلاقة فى أغلب أشعاره وألحانه والتي أثرى بها المكتبة التراثية الليبية.

إن فترة السبعينات كانت فترة التميز والانطلاقة الزاهرة حيث استطاع الجهاني لملمت التقاطعات الفكرية التي كانت تعصف بشباب تلك الفترة وتفرد ــ دون فناني عصره ــ بابداعاته الفنية المتوالية والمتجددة باستمرار فيقول الجهاني "إنني أفضل التجديد في الألحان ولا أحب التقليد الصرف".

إن العوامل التي ساعدت الجهاني على القيام بهذا الدور الكبير والمهم .. كان الاستعداد الشخصي وهو أهم نقطه .. ووجود أصدقاء للجهاني يقدمون له النصح والإرشاد وكان من بينهم السيد حميد الضبع كان بمثابة الناقد الفني ومرجعية فنية بالفطرة .. وجدية الجهاني وتصميمه في معترك حياته العاديه انعكست على حياته الفنية.

والجدير بالذكر أن الجهاني ملحن ممتاز وله ألحان كثيرة فهو ملحن بالفطرة فهو لا يحسن العزف إلا على آلة الناي، إلا أنه عمل عبر السنين على تنمية ملكته الفنية والثقافية بشكل لافت ومن البصمات الدالة كانت أغنية (دابين حي الشمس وانا واعي ..) كانت من ألحانه المتميزة وأغنية (شاطت نارك في كنينى واقدة ..) ولحن أغنية (لو كان يابى خاطري يهنيني ..) وغيرها امتداداً طبيعياً وتجديداً للتراث الشعبي فهو بحق التواصل التاريخي لمكونات التراث الفني الليبي، لا لبس فيه ولا مراء.

تميز الجهاني بغناء الموال الذي لم يعرف في الغناء الليبى كفن قائم بذاته حيث لم يكن من أساسيات الغناء الليبي وفى ذلك تأثر الجهاني بالمدرسة التونسية أكثر وضوحاً من المدرسة المصرية التي لا تظهر في سياقات غناء الجهاني للموال، فتأثره بمجيد التاجوري المتأثر بالفن التونسي وخاصة الفنان (شيخ العفريت) في الموال والذي يعتبر أحد أعلام الغناء في المغرب العربي.

ولا ننسى حفلات الدويتو التي كانت تقام، ويظهر فيها التباري وإظهار القدرات الفائقة، فحفلات عبدالجليل والجهاني وحميد الكيلاني وعلي التركي والدرناوي وغيرهم من مشاهير المرسكاوى الذين هم من رواد الفن.

ونعتذر على الإطالة فإن الجهاني فنان الشعب إن صح التعبير قل نظيره في المحيط الشعبي، فحفلاته الفنية الساهرة ستظل البصمة المضيئة في تاريخه وتاريخ الفن الشعبي والكتاب الذي أرى أنه استوعب التوثيق التاريخيى للجهانى والتراث الغنائي كتاب "الفنان علي الجهاني ملامح مرحلة فنية" إعداد الأستاذ السنوسي محمد، له كل الشكر والتحية على توثيقه الرائع المنقطع النظير.

توفي علي الجهاني يوم 2009.09.17 تغمده الله بواسع رحمته.

المصدر: محمد بوشيبة