
اليوم سنحكي بعض الذكريات عن أهم سوق بالمدينة وهو سوق الحارة, بالطبع كلمة حارة هي المرادف لكلمة جيتو الإنجليزية التي تعني مقر إقامة وتجمع اليهود بالمدينة وهذا موجود في معظم دول العالم والتي بها جاليات يهودية فهي تتجمع في حي واحد بدعوى ظاهرية مفادها رعاية المصالح الواحدة وباطنياً لرفض الاختلاط مع الأجناس الأخرى وهي بالحقيقة نوع من العنصرية, مع نهاية شارع مختار الصابري وبداية سوق الحارة يوجد الكنيس اليهودي الرئيسي بالمدينة وهو قائم للأن وقد خصصه القذافي شخصياً للطائفة القبطية الإنجيلية عند انفتاحه على الأقباط في سنة 1983م ورفض البابا اشنودة لزيارته بليبيا, وكانت هناك مدرسة يهودية لتعليم التلمود بشارع المهدوي مقابل سكن آل أحنيش.
يحتل آل مخلوف الكبار وهم طاهر ومحمد علي ومفتاح ويحي الذي انتقل لاحقاً إلى زاوية الشويخات مع الحشيش وكذلك عبدالرازق ومحمد سالم وأخيه حسين وبالطبع كل هؤلاء مع ابنائهم يشترك معهم رضوان وقادير وبن شتوان وبالتمر والنوَال وبوبكر الكراثي, كل هؤلاء متخصصّين بالجزارة ولكل منهم زبائنه الدائمين والعديد منهم في رمضان يضع طاولة أمام المحل لبيع "القطايع ...التي هي جزء كبدة أو جزء رية اوجزء طحال مع قطعة رداء أو كرشة أو استارة" وكل هذا بقرشين فقط فتجد هذه إقبالاً من الطبقات الفقيرة وعمّال المرسى الذين يأتون للسوق عند إنتهاء عملهم بالميناء وتسلمهم للأجرة اليومية, أمّا بائعي الخضروات فكان منهم الشيخ الزياني الملقب بـ "سراج منير" وبالروين وبن جفيلة الذي كان يناديه كل من بالسوق باسم رجب وأتضح أن اسمه محمد ويُلقب بـ "قارون" وكان هناك الوداني واحويج الأقطع وغيرهم ممن لم يبقوا طويلاً بالسوق لظروفهم, كذلك كان هناك آل الطرابلسي للحدادة وشحذ الأمواس والسواطير ولحام أدوات الحصاد ومستلزماته وبن كاطو لعمل المفاتيح وإصلاح آلات الحياكة وكذالك عزات غنيم للكتابة العمومية, كذلك كان هناك مقهي بالسوق للحاج امبارك المزوغي ومحلين لبيع المعلبات أحدهما لامحمد عصمان والآخر لعائلة من الواحات لا أذكرأسمها, للسوق ثلاثة منافذ تفتح على سوق الظلام وتفتح نهايته الشرقية على سوق القزّارة ونهايته الغربية على سوق اللفة حيث تباع خيوط الغزل والسلك و"البارة والتنتة" وبه محلات محرم والموهوب وبوعشرين، وكان يباع على زاوية مدخل السوق الفل والقرنفل اللذان يوضعان خلف الأذن للدلالة على الذوق والرائحة الذكية المفقودة هذه الأيام, وكان بالمدخل الغربي مطعم بودبوس للأكلات الشعبية و" الرؤوس الضان".
كان السوق مركز تجمع أعيان المدينة لشراء مستلزمات بيوتهم من المصروفات اليومية فكثيراً ما تشاهد أحدهم وبرفقته خادمه حامل "القفة" وكان هذا متداولاً في تلك الأيام وكثيراً ما تسمع من أحدهم إعجابه بمحل الجزارة أو البقالة الذي يتعامل معه حتى وصل بأحدهم عليه رحمة الله أن قال يوماً "لولا قفتنا وأقفيفة عيت لنقي راهو السوق مسكّر !!!!", كان السوق ملتقى للكثيرين وكان بإمكان الكل أن يتوجه إلى سوق الظلام وهو بمثابة البورصة المحلية للذهب والحرير.
سوق الحارة جزء لا يتجزأ من ذاكرة المدينة وهو ركن أساسي مع سوق الظلام في تكوّن الشخصية البنغازية وكان الكل ملزم بطريقة أو أخرى للمرور على هذا السوق, وعندما عمرت المدينة وحصل التوسع بالعمران كثرت الأسواق الجانبية وكذلك المحلات المتفرقة.
مدينتنا بنغازي أايها السادة وطن بالطول والعرض ومنطقة الأسواق كقلب لهذه المدينة مرآة عاكسة لسلوك قاطينيها, أدعوا الله العلي القدير أن يعيد لنا هذه الأسواق بما فيها من روح، وأن يعم الأمن والأمان كل أحيائها ويبارك جهود المخلصين من أبنائها وكل العام وأنتم بخير!!!!!