
يلومني الكثير من الأخوة, ويتساءلون لماذا لم أكتب عن بنغازي؟
أقول الحق, حاولت كثيراً الكتابة عنها, ولكن قلمي لم يطعني, كان يطيعني في كل الأوقات, إلا عندما أبدأ الكتابة عن بنغازي.
ليس هذا عن نقص حب لها, أو نقص في مناقبها والعياذ بالله, بل إن مناقبها أكثر من أن أحصيها, وحبي لها هو ما سأتكلم عنه اليوم.
لأبدأ معكم قصتي مع بنغازي من البداية, والبداية سبقت الثورة بكثير, بداية جعلتني لا أحب بنغازي فقط, بل أحب وأحترم حتى حروف أسمها, بدايتي كانت قديمه قبل أكثر من عشر سنين, تعرفت على داعية تتولى عملاً جباراً, ومبتكراً, وفي أول عهد الإنترنت, كانت تتولى "المسنجر الدعوي", وتكنى "بالعابدة", كانت ترسل رسائل دعوية, بسيطة ولكنها عميقة وساهمت مساهمة فعالة في توعية الكثير من الشباب, هذه بداية تعرفي على بنغازي, إحترام ودين ودعوة, ثم ساهمت الأيام والسنون في ابتعادي عن تلك المجموعة الطاهرة.
قامت الثورة, حاولت أن أعرف أخبار "العابدة", فلم أفلح, وأرجو أن تكون بخير, فلها في رقاب الكثير منا فضل كبير, ولها عندنا حق أكبر.
وفي الثورة إنشغلنا بالدفاع عن الثورة نفسها, وعن الثوار أنفسهم, وكانت بنغازي هي قلب الثورة, وهي روحها, ووقودها, ولا أنكر أو أقلل دور درنة أو طبرق أو المرج أو البيضاء واجدابيا الصمود والتحدي وغيرها من مدن الشرق والغرب والجنوب.
كنت أحس ببنغازي كالأم الرءوم, كالأم الحنون, تحتضن أبناءها وبناتها الثوار والمدن الثائرة شرق ليبيا وغربها وجنوبها، لها قلب أم وشجاعة فارس، لم تحابي ولم تجامل, ضحت بالكثير وعانت الكثير ولكنها دائماً تبتسم لهم, وتبش في وجههم, تعانقهم إذا قدموا إليها وتتابعهم إذا ابتعدوا عنها, تصل يدها الرحيمة المحبة لكل شبر في الوطن، مثل هذه هل يستطيع القلم أن يكتب عنها؟
والله إن القلم ليتوارى خجلاً واستحياء منها, وأن الكلمات لتتقزم وتتضاءل أمامها, فلها في القلوب مكان كبير ولها في العيون شوق وحب عظيم.
إني عندما أقول "بنغازي" أحس بضآلتي أمامها, وقلة حليتي وخجلي منها، كيف لا ولها في الثورة مكان الأم والأب, ولها في قلوب كل أحرار ليبيا عشق لا يجاريه عشق.
هذا أنا مع أم الثورة وروحها "بنغازي" عرفتها داعية مبتكرة, وعرفتها ثائرة مستبسلة وعرفتها راعية لأبنائها وبكل جوارحها, ماذا تريدوني أن اذكر أو أتذكر.
عندما أكتب عن ثورة ليبيا, فجزء كبير من الفضل يعود لبنغازي, وعندما أكتب عن الثوار فعشقهم بنغازي وعندما أكتب عن مصراتة التحدي فيكفي شارع بنغازي وعندما أكتب عن الزاوية فهل كان هتافهم إلا لبنغازي, وعندما أكتب عن الجبل الغربي فهل ثار إلا ليقف مع بنغازي.
هل أكتب عن شهداء ثورة ليبيا, إذن سأكتب عن أبناء بنغازي، المهدي زيو والعقيد العقيلي والصلابي ومحمد نبوس ومئات غيرهم بل الآلاف, سقوا بدمهم كل شبر من أرض ليبيا الحرة, وأقولها حرفياً, كل شبر, في اجدابيا والبريقة والعقيلة ورأس لانوف والدافنية والوادي الأحمر وسرت ومصراتة وجبل نفوسة، تكاتف أبناء بنغازي مع ثوارها الأحرار, وعقدوا العزم على تحرير وطنهم وهل أبناء بنغازي إلا من هذه المدن؟ فهي جمعتهم قبل الثورة وجمعتهم في الثورة وستبقى تجمعهم أبدً بأذن الله.
أقول بنغازي "أم الثورة الليبية" وحينما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم, من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك وأعادها ثلاثاً, ولبنغازي في رقاب كل الأحرار حق الأم.
والله يا بنغازي, لا يملك القلم ومن يمسك القلم إلا أن ينحني ليقبل رأسك, هل عرفتم قصتي مع بنغازي؟